للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مؤلف من "همزة ونون"؟ أما الهمزة؛ فلأن مخرجها من الصدر، وهو أقرب مواضع الصوت إلى المتكلِّم، إذ المتكلم في الحقيقة محله وراء حبل الوريد. قال الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦)} (١) [ق: ١٦]، ألا تراه يقول: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨)} [ق: ١٨] يعني: ما يلفظ المتكلِّم، فدل على أن المتكلم أقرب شيءٍ إلى حبل الوريد، فإذا كان المتكلم على الحقيقة محله هناك، وأردت من الحروف ما يكون عبارة عنه، فأولاها بدلك ما كان مَخْرَجه من جهته، وأقرب المواضع إلى مَحَلِّه، وليس إلا "الهمزة أو الهاء"، والهمزة (٢) أحق بالمتكلم لقوَّتها بالجهر والشدة وضعف الهاء بالخفاء، فكان ما هو أجهر وأَقْوى أَوْلى بالتعبير عن اسم المتكلِّم الذي الكلام صفة له، وهو أحقُّ بالاتصاف به.

وأما تآلفها مع النون؛ فلما كانت الهمزة بانفرادها لا تكون اسمًا منفصلاً، كان أولى ما وصلت به "النون" أو حروف المد واللين، إذ هي أمهات الزوائد، ولم تكن حروف المد مع "الهمزة" لذهابها عند التقاء الساكنين، نحو: أنا الرجل، فلو حُذِف الحرف الثاني لبقيت "الهمزة" في أكثر الكلام منفردة مع لام التعريف، فتلتبس بالألف التي هي أخت اللام، فيختل أكثرُ الكلام، فكان أولى ما قرن به "النون"؛ لقربها من حروف المد واللين، ثم بيَّنوا النون -لخفائها- بالألف في حال السكت، أو بـ "ها" في لغة من قال: إنه.

ثم لما كان المخاطب مشاركًا للمتكلم في معنى (٣) الكلام؛ إذ


(١) سقطت الآية من (ظ ود).
(٢) سقطت من (ظ ود).
(٣) (ظ ود): "حال معنى".