للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما دخول "ها" التنبيه؛ فلأن المخاطب يحتاج إلى تنبيهِهِ على الاسم الذي يُشير به إليه؛ لأن للإشارة قرائن حالٍ يحتاج إلى أن ينظر إليها، فالمتكلِّم كأنه آمر له بالالتفات إلى المشار إليه أو مُنَبِّهٌ له، فلذلك اختص هذا الموطن بالتنبيه، وقلما يتكلَّمون به في المبهم الغائب؛ لأن كاف الخطاب تُغني عنها، مع أن المخاطَب مأمورٌ بالالتفات بلحظِهِ إلى المبهم الحاضر، فكان التنبيه في أول الكلام أولى بهذا الموطن؛ لأنه بمنزلة الآمر الذي له صدر الكلام.

وعندي أن حرف التنبيه بمنزلة حرف النداء وسائر حروف المعاني، لا يجوز أن تعمل معانيها في الأحوال ولا في الظروف، كما لا يعمل معنى الاستفهام والنفي في "هل" و"ما" في ذلك، ولا نعلمُ حرفًا يعمل معناه في الحال والظرف إلا "كأنَّ" وحدَها علامة (١) على أَنه فعل، فدع عنك ما شَغَبُوا به في مسائل الحال في هذا الباب، من قولهم: "هذا قائمًا زيد، وقائمًا هذا زيد"؛ فإنه لا يصلح من ذلك إلا تأخير الحال عن الاسم الذي هو "ذا"؛ لأن العامل فيها معنى الإشارة دون معنى التنبيه، وكلاهما معنوي.

فإن قيل: لم جاز أن يعمل فيه معنى الإشارة دون معنى التنبيه وكلاهما معنوي (٢)؟.

قيل: معنى الإشارة يدل عليه قرائن الأحوال؛ من الإيماء باللحظ واللفظ الخارج من طرف اللسان وهيئة المتكلِّم، فقامت تلك الدلالة مقام التصريح بلفظ الإشارة؛ لأن (٣) الدال على المعنى؛ إما لفظ وإما


(١) من (ق).
(٢) هذا السؤال ساقط من (ق).
(٣) سقطت من (ق).