للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في معنى الجملتين، وإن كانا مفرَدَيْن لفظًا فهما يعطيان معنى: يغفرُ الذنبَ ويقبل التوب، أي: هذا شأْنُه ووصفُه فى كلِّ وقت، فأتى بالاسم الدال على أن (١) هذا وصفه ونعته المتضمن لمعنى الفعل الدال على أنه لا يزال يفعل ذلك، فعطف أحدهما على الآخر، على نحو عَطْف الجملِ بعضِها على بعض، ولا (ق/ ٧٦ أ) كذلك الاسمان الأولان، ولما لم يكن الفعل ملحوظًا في قوله: {شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ}؛ إذ لا يَحْسُن وقوع الفعل فيهما، وليس في لفظ "ذي" ما يُصَاغ منه فعل جَرَيا مجرى المفردين من كلِّ وجه، ولم يعطف أحدهما على الآخر، كما لم يعطف في العزيز العليم، فتأمَّلْه فإنه واضح.

وأما العطف في قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (٣)} [الأعلى: ٢، ٣] فلما كان المقصود الثناء عليه بهذه الأفعال وهي جملة، دخلت الواو عاطفةً جملة على جملة، وإن كانت الجملة مع الموصول في تقدير المفرد، فالفعل مرادٌ مقصود، والعطف يُصَيِّر كلَّ (٢) جملة منها مستقلة مقصودةً بالذكر، بخلاف ما لو أتى بها في خبر موصول واحد، فقيل: "الذي جعل لكم الأرضَ مِهادًا، وأنزلَ من السماءِ ماءً، وخلقَ الأزواجَ كلَّها"، كانت كلها في حكم جملة واحدة، فلما غايَرَ بين الجمل بذكر الاسم الموصول مع كلِّ جملةٍ دلَّ على أن المقصود وصفه بكل جملةٍ جملةٍ (٣) من هذه الجمل على حِدَّتها، وهذا قريب من باب قطع النعوت، والفائدة هنا كالفائدة ثَمَّ، وقد تقدمت الإشارة إليها فراجعها، بل قطع النعوت إنما كان لأجل هذه


(١) سقطت من (ظ ود).
(٢) (ظ ود): "على".
(٣) من قوله: "واحدة، فلما غاير ... " إلى هنا ساقط من (ظ ود).