للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدلالة، كان إجراء ما بعدها على ما قبلها أولى وأحرى، ليتفق اللفظ كما اتفق المعنى.

فإن قيل: أليس مضادة النفي للوجوب بمثابة مضادة الوجوب للنفي، وهي في كل (١) حال لا تقع إلا بين كلامين متضادَّيْن، فلم قالوا: "ما قام زيد لكن عَمْرو"، اكتفاءً بدلالة النفي على نقيضه، وهو الوجوب (ظ/ ٦٠ أ)، ولم يقولوا: "قام زيد لكن عمرو"، اكتفاءً بدلالة الوجوب على نقيضه من النفي؟.

قيل: إن الفعل الموجب (٢) قد يكون له معانٍ تضاده وتناقض وجوده، كالعِلْم فإنه يناقض وجوده الشك والظن والغفلة والموت، وأخصُّ أضدادِه به الجهل، فلو قلت: "قد علمت الخبر لكن زيد"، لم يُدْرَ ما أضفت إلى زيد، أظن أم شك أم غفلة أم جهل، فلم يكن بُدٌّ من جملة قائمة بنفسها ليعلم ما تريد، فإذا تقدَّم النفيُ نحو قولك: "ما علمتُ الخبرَ لكن زيد"، اكتفى باسم واحد؛ لِعِلم المخاطَب أنه لا يضاد نفي العلم إلا وجودُه؛ لأن النفي يشتمل على جميع الأضداد المنافية للعلم.

فإن قيل: فلم إذا خففت "لكن" وجبَ إلغاؤها، بخلاف "أَنَّ" و"إِنَّ" و"كأن"، فإنه يجوز فيها الوجهان مع التخفيف، كما قال:

*كَأَنْ ظَبْيةً تَعْطُو إِلى وَارِقِ السَّلَم (٣) *


(١) ليست في (ظ ود).
(٢) (ق): "من الوجوب".
(٣) صدره:
* ويومًا توافينا بوجهٍ مقسَّمٍ *
ذكره في "اللسان": (١٢/ ٤٨٢) ونسبه إلى كعب بن أرقم اليشكري.