للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا قلت: "أزيد عندك أم عمرو" كأنك قلتَ: أيهما عندك، وإذا قلت: "أزيد عندك أم عندك عمرو"، كان كل واحد منهما جملة مستقلة بنفسها، وأنت سائل هل عنده زيد أو لا؟ ثم استأنفت سؤالًا آخر: هل عنده عمرو أم لا؟ فتأمله فإنه من دقيق النحو وفقهه، ولذلك سُمِّيت متصلةً؛ لاتصال ما بعدها بما قبلها وكونه كلامًا واحدًا.

وفي السؤال بها معادلة وتسوية؛ فأما المعادلة؛ فهي بين الاسمين أو الفعلين؛ لأنك جعلت الثاني عديل الأول في وقوع الألف على الأول، و"أم" على الثاني. وأما التسوية؛ فإن الشيئين المسؤول عن تعيين أحدهما مستويان في علم السائل وعلى هذا فقوله تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} [النازعات: ٢٧] هو على التقرير والتوبيخ، والمعنى: أي (١) المخلوقين أشد خلقًا وأعظم؟ ومثله: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} [الدخان: ٣٧].

فإن قيل: هذا ينقض ما أصَّلتموه، فإنكم ادعيتم أنها إنما يسئل [بها] عن تعيين ما عُلِم وقوعه، وهنا لا خير فيهِم ولا في قوم تُبَّع (٢)؟.

قيل: هذا لا ينقض ما ذكرناه بل يشده ويقويِّه، فإن مثل هذا الكلام يخرج خطابًا على تقرير دعوى المخاطب، وظنه أن هناك خيرًا، ثم يدعي أنه هو ذلك المفضل، فيخرج الكلام مخرج التقريع والتوبيخ على زعمه وظنه، أي: ليس الأمر كما زعمتم، وهذا كما تُعاقِب شخصًا على ذنب لم يفعله مثله ويدعي أنك لا تعاقبه، فتقول: أنت خير أم فلان؟ وقد عاقبتُه بهذا الذنب أي: ولست خيرًا منه.


(١) (ق): "أن"!.
(٢) هذا السؤال ساقط من (ق).