للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من أجل أن تقديم العامل عليها يقطعها عن المذكور قبلها في اللفظ؛ لأن العامل اللفظي له صدر الكلام، وإذا قطعتها عما قبلها في اللفظ لم يكن لها شيءٌ تعتمدُ عليه قبلها ولا بعدها، فقَبحَ ذلك.

وأما إذا كان العامل معنويًّا، نحو: "كلّ ذاهبون"، فليس بقاطع لها عما قبلها من المذكورين؛ لأنه لا وجود له في اللفظ، فإذا قلتَ: "ضربتُ زيدًا وعَمرًا وخالدًا "، و"شتمتُ كُلاّ"، و"ضربتُ كُلاّ"، لم يجز ولم يعد بخبر لما قدمناه.

إذا عرفت هذا؛ فقولك: "كلُّ إخوتك ضربت"، سواء رفعت أو نصبت يقتضي وقوع الضرب بكلِّ واحد منهم، وإذا قلت: "كل إخوتك ضربني"، يقتضي -أيضًا- أنَّ كلَّ واحد واحد منهم ضربك. فلو قلت: "كل إخوتك ضربوني، وكل القوم جاؤوني"، احتمل ذلك، واحتمل أن يكونوا اجتمعوا في الضرب والمجئ؛ لأنك أخبرتَ عن جملتهم بخبر واحد واقع عن الكلية (١)، بخلاف قولك: "كل إخوتك جاءنى"، فإنما هو إخبار عن كل واحد واحد (٢) منهم، وأن الإخبار بالمجيء، عم جميعهم، فتأمل على هذا قوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} [الإسراء: ٨٤] كيف أفردَ الخبرَ؛ لأنه لم يُرِد اجتماعهم فيه. وقال تعالى: {كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ} فجمع لما أريد الاجتماع في المجيء، وهذا أحسن مما تقدَّم من الفرق، فتأمله.

ولا يرد على هذا قوله تعالى: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ


(١) (ظ ود): "الكلمة"، و"المنيرية": "الجملة".
(٢) "واحد" الثانية سقطت من (ق ود)