للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لم يقم" (١)، ولهذا يصح مقابلته بالإيجاب الجزئي، نحو (٢): قوله - صلى الله عليه وسلم - وقد سُئل: "أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال: - "كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ"، فقال ذو اليدين: بلى، قد كان بعض ذلك" (٣).

ومن هذا ما أنشده سيبويه (٤):

قَدْ أَصْبَحَتْ أُمُّ الخِيارِ تَدَّعي .. عَلَيَّ ذَنْبًا كُلُهُ لم أَصْنَعِ

أنشده برفع "كل" واستقبَحَه لحذف الضمير العائد من الخبر، وغير سيبويه يمنعه مطلقًا وينشدُ البيت منصوبًا، فيقول كلَّه لم أصنع، والصواب: إنشادُه بالرفع محافظةً على النفي العام الذي أراده الشاعر وتمدَّح به عند أم الخيار، ولو كان منصوبًا لم يحصل له مقصوده من التَّمدُّح بأنه لم يفعل ذلك الذنب ولا شيئًا منه، بل يكون المعنى: لم أفعل كلَّ الذنب بل بعضه، وهذا ينافي غَرَضَه. ويشهد لصحة قول سيبويه: قراءة ابن عامر (٥) في سورة الحديد: {أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: ١٠]، فهذا يدلُّ على أن حذف العائد جائز وأنه غير قبيح.

ومن هذا على أحد القولين: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ} [يونس: ٥٠] أجاز الزجاج أن تكون الجملة ابتدائية وقد حذف العائد من {يَسْتَعْجِلُ}، وتقديره: يستعجله منه


(١) كأن الكلام بقية، فلعلَّ هناك سقط.
(٢) "الجزئي" سقطت من (ق)، و "نحو" من (ظ ود).
(٣) أخرجه البخاري رقم (٧١٤)، ومسلم رقم (٥٥٣/ ٩٩) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٤) في "الكتاب": (١/ ٤٤، ٦٩) وهو لأبي النجم العجلي.
(٥) (ظ ود): "ابن عباس" والصواب ما في (ق) فابن عامر وحده قرأ برفع "كل"، انظر: "المبسوط في القراءات العشر": (ص/ ٣٦٢) للأصبهاني.