للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيل: هذا فيه نكتة بديعة، وهي: أن الحكم قد يعلق بالنكرة السابقة فتُذْكر، ويكون الكلام في معرض أمر (١) معين من الجنس مدحًا أو ذمًا، فلو اقتصر على ذكر المعرفة لاختصَّ الحكم به، ولو ذُكِرَت النكرة وحدها لخرج الكلام عن التعرض لذلك المعين، فلما أُرِيد الجنس أتى بالنكرة ووُصِفَت إشعارًا بتعليق الحكم بالوصف، ولما أتي بالمعرفة كان تنبيهًا على دخول ذلك المعيَّن قطعًا. ومثال ذلك قوله تعالى: {لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} [العلق: ١٥ - ١٦] فإن الآية كما قيل: نزلت في أبي جَهْل، ثم تعلق حكمها بكلِّ من اتصفَ به فقال: {لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ} (٢) تعيينًا، {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ} تعدية وتعميمًا، ولذلك اشترط في النكرة في هذا الباب أن تكون منعوتة؛ لتحصل الفائدة المذكورة والتبيينُ المراد.

وأما قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئاً} [النحل: ٧٣] ففيها قولان:

أحدهما: أن "شيئًا" بدل من "رزقًا" و"رزقًا" أبين من "شيئًا"؛ لأنه أخص منه، والأخص أبين من الأعم، وجاز هذا من أجل تقدُّم النفي؛ لأن النكرةَ إنما تفيد بالإخبار عنها بعد النفي، فلما اقتضى النفي العام ذكرَ الاسم العام الذي هو أنكر النكرات، ووقعت الفائدة به من أجل النفي، صَلُحَ أن يكون بدلًا من "رزق". ألا ترى أنك لو طرحت الاسم الأول واقتصرت على الثاني لم يكن إخلالًا بالكلام.


(١) (ق): "ذكر"، (د): "ليكن في".
(٢) من قوله: "ناصية كاذبة ... " إلى هنا ساقط من (ق ود).