رَشَدًا (١٠)} [الجن: ١٠] فنسبوا إرادة الرشد إلى الربِّ، وحذفوا فاعِلَ إرادة الشر، وبنوا الفعل للمفعول، ومنه قول الخضر -عليه السلام- في السفينة:{فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا}[الكهف: ٧٩]، فأضاف العيبَ إلى نفسه. وقال في الغلامين:{فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا}[الكهف: ٨٢]، ومنه قوله تعالى:{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}[البقرة: ١٨٧]، فحذفَ الفاعلَ وبناه للمفعول، وقال:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}[البقرة: ٢٧٥]، لأن في ذكر الرَّفَث ما يَحْسُن منه أن لا يقترن بالتصريح بالفاعل، ومنه:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِير}[المائدة: ٣] وقوله: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[الأنعام: ١٥١] إلى آخرها.
ومنه -وهو ألطف من هذا وأدق معنى- قوله:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ}[النساء: ٢٣] إلى آخرها، ثم قال:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}[النساء: ٢٤] وتأمل قوله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ}[النساء: ١٦٠] كيف صرَّح بفاعل التحريم في هذا الموضع، وقال في حق المؤمنين:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ}[المائدة: ٣].
الفائدة الثانية: أن الإنعام بالهداية يستوجب شكر المُنْعِم بها، وأصل الشكر ذِكْر المْنعِم والعمل بطاعته، وكان من شكره إبراز الضمير المتضمِّن لذكره -تعالى- الذي هو أساس الشكر، وكان في قوله:{أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} من ذِكْره وإضافة النعمةِ إليه ما ليس في ذكر المنعم عليهم (١) لو قاله، فتضمَّن هذا اللفظ الأصلين، وهما الشكر