للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأن المراد. التثبيتُ ودوامُ الهداية، ولقد أجاب وما أجاب! وذكرَ فرعًا لا قوام له بدون أصله، وثمرةً لا وجود لها بدون حاملها! ونحن نبين بحمد الله أن الأمر فوق ما أجاب به وأعظم من ذلك بحول الله.

فاعلم أن العبد لا يحصل له الهدى التام المطلوب إلا بعد ستة أمور، وهو محتاج إليها حاجة لا غِنَى له عنها.

الأمر الأول: معرفته في جميع ما يأتيه ويذره بكونه محبوبًا للرب تعالى مَرْضِيًّا له فيؤثره، وكونه مبغوضًا (١) له مسخوطًا له فيجتنبه، فإن نَقَضَ هذا العلم والمعرفة شيءٌ نَقَضَ الهداية التامةِ بحسبِه.

الأمر الثاني: أن يكون مريدًا لجميع ما يحب الله منه أن يفعله عازمًا عليه، ومريدًا لترك جميع ما نهى الله عنه، عازمًا على تركه بعد خُطُوره (٢) بالبال مفصَّلًا، وعازمًا على تركه من حيث الجملة مجملًا، فإن نَقَص من إرادته لذلك شيء نَقَصَ من الهدى التام بحسب ما نَقَص من الإرادة.

الأمر الثالث: أن يكون قائمًا به فعلًا وتركًا، فإن نَقَص من فعله شيء نَقَص من هداه بحسبه. فهذه ثلاثةٌ هي أصولٌ في الهداية، ويتبعها ثلاثة هي من تمامها وكمالها:

أحدها: أمورٌ هُدِيَ إليها جملةً ولم يَهْتد إلى تفاصيلها، فهو محتاج إلى هداية التفصيل فيها.

الثاني: أمور هُدِيَ إليها من وجه دون وجه، فهو محتاج إلى تمام


(١) في (ظ): "مغضوبًا" ومحرفة في "د".
(٢) (ق): "حضوره".