الإجمال، وكيف تضمَّن ذلك إيراد الكلام في صورتين وحُلتين اعتناء به وتأكيدًا لشأنه. ثم تأمل كيف افتتح هذا الإيجاب بذِكْر محاسن البيت وعِظَم شأنه بما يدعو النفوسَ إلى قصده وحجِّه، وإن لم يطلب ذلك منها، فقال: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (٩٦) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: ٩٦ - ٩٧] فوصفه بخمس صفات:
أحدها: أنه أسبق بيوت العالم وَضْعًا في الأرض.
الثاني: أنه مبارك والبركة كثرة الخير ودوامه، وليس في بيوت العالم أبرك منه ولا أكثر خيرًا ولا أدوم ولا أنفع للخلائق.
الثالث: أنه هدى، ووصفه بالمصدر نفسه مبالغة حتى كأنه هو نفس الهدى.
الرابع: ما تضمنه من الآيات البينات التي تزيد على أربعين آية.
الخامس: الأمن الحاصل (١) لداخله.
وفي وصفه بهذه الصفات دون إيجاب قصدِه ما يبعث النفوسَ على حجِّه، وإن شطت بالزائرين الديار وتناءت بهم الأقطار، ثم أَتْبَع ذلك بصريح الوجوب المؤكد بتلك التأكيدات، وهذا يدلك على الاعتناء منه -سبحانه- بهذا البيت العظيم، والتنويه بذكره، والتعظيم لشأنه، والرفعة من قدره، ولو لم يكن له شرف إلا إضافته إياه إلى نفسه بقوله:{وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ}[الحج: ٢٦] لكفى بهذه الإضافة فضلًا وشرفًا. وهذه الإضافة هي التي أقبلت بقلوب العالمين إليه وسلبت نفوسَهم حبًّا له وشوقًا إلى رؤيته،