للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيل: الصحيح امتناعه؛ لأن الظن إن (١) كان بعد علمِ ضروري فمحال أن ينقلب ظنًّا وإن كان بعد علمٍ نظري لم يرجع العالم إلى الظن إلا بعد النسيان والذُّهول عن ركن من أركان النظر (٢)، وهذا ليس من فعلكَ أنت به، فلا تقول: "أَظْنَنْتُه بعد أن كان عالمًا". وإن كان قبل الظن شاكَّا أو جاهلًا أو غافلاً لم يتصور أيضًا أن تقول: "أَظْنَنْته"؛ لأن الظن لا يكون (٣) عن دليل يوقفه عليه، أو خبر صادق يخبره به، كما يكون العلم؛ لأن الدليل لا يقتضي ظنًّا، ولا يقتضي أيضًا شبهةً كما بَيَّنه الأصوليون، فثبتَ أن الظن لا تفعله أنت به، ولا تفعل شيئًا من أسبابه، فلم يجز: "أَظْنَنْته"، أىِ: جعلته ظانًّا، وكذلك يمتنع (ق / ١١٦ ب): "أشْكَكْته" أي: جعلته شاكًّا، ولكنهم يقولون: شَكَّكْتُه، إذا حدَّثتَه بحديثٍ يصرفه عن حال الظن إلى حال الشك".

هذا كلام السُّهيلي، وليس الأمر كما قال! ولا فرقَ بين "أَعْلَمته وأَظْنَنْته" إلا من جهة السماع.

وأما الجواب عما ذكره، فيقال: ما المانع أن يكون "أَظْنَنْته" أي: جعلته ظانًّا بعد أن كان جاهلاً أو شاكًّا بما ذكرتُه له من الأمارات والأدلة الظنية، وقولك: "إن الظنَّ لا يكون عن دليل يوقفه عليه أو خبر صادق يخبره (ظ/٨٩ أ) به"، دعوى مجرَّدة بل ظاهرة البطلان، فإن الظن هو الرُّجْحان، فإذا ذكرت له أمارة ظاهرة لا توجب اليقين أفادته الرُّجْحان وهو الظن، وهذا كما إذا أخبرك من يُثير خبرُه لك ظنًّا راجحًا ولا ينتهي إلى قَطْع، كالشاهد وغيره، فدعوى أن الظن: لا


(١) (ق): "إنما".
(٢) (ق): "الظن".
(٣) (ظ ود): "لا يكون إلَّا".