للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (٥٢)} [مريم: ٥٢] فناداه وناجاه، والنداء والنجاء أخصُّ من التكليم، لأنه تكليمٌ خاص، فالنداءُ تكليم: من البعد يسمعه (١) المنادى، والنِّجاءُ تكليم من القرب.

وأيضًا: فإنه قد اجتمع في هذه الآية ما يمتنع معه حملُها على ما ذكره، وهو أنه ذكر الوحيَ المشتركَ، ثم ذكرَ عموم الأنبياء بعد محمد ونوح، ثم ذكر موسى بعَيْنه بعد ذِكْر النبيين عمومًا، ثم ذكرَ خصوص تكليمه، ثم أَكَّدَه بالمصدر، وكل من له أدنى ذوقٍ في الألفاظ ودلالتها على المعانى (٢)، يجزم بأن هذا السياق يقتضي تخصيصَ موسى بتكليم لم يحصل لغيره، وأنه ليس "تكليمًا ما"، فما ذكره أبو (ق / ١١٩ ب) الحسين غيرُ حسنٍ، بل باطل قطعًا!! والذي غرَّه ما اختاره سيبويه من حذف صفة المصدر وإرادتها، وسيبويه لم يذكر هذا في كل مصدرٍ كان هذا شأنه، وإنما ذكر أن هذا مما (٣) يسوغُ في الجملة، فإذا كان في الكلام ما يدل على إرادة التأكيد دون الصفة لم يقل سيبويه ولا أحدٌ: إنه موصوف محذوف يدل على تقليله، كما إذا قيل: "صدَّقت الرسول تصديقًا وآمنت به إيمانًا"، أوْ قل: "قاتَلَ فلانٌ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتالاً ونصَره نصرًا"، و"بين الرسولُ لأمته تبيينًا وأرشدهم إرشاداً وهداهم هدى"، فهل يقول سيبويه أو أحد: إن هذا يجور أن يكون موصوفًا؟! والمراد: "تصديقًا مَّا وإيمانًا مَّا وتبيينًا: مَا وهدًى مَّا"!؟، فهكذا الآية والله الموفق للصواب.


(١) (ق): "بما يسمعه".
(٢) من (ق).
(٣) ليست في (ق).