للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلِمَ جاء .. مكسور الأول كالطِّحْن والذِّبْح؟.

قيل: العلم يكون عبارةٌ عن المعلوم، كما تقول: "قرأتُ العلم"، وعبارة عن المصدر نفسه الذي اشتُقَّ منه "علمت"، إلا أن ذلك المصدرَ مفعولٌ لعلمت؛ لأنه معلوم بنفس العلم، لأنك إذا عَلِمت الشيءَ فقدْ علمته، وعلمتَ أنك علمته بعلم واحد؛ فقد صار العلم معلوما بنفسه، فلذلك جاء على وزن "الطِّحْن والذبْح"، وليس له نظير في الكلام إلا قليل، لا أعلم فعلا يتناول المفعول ويتناول نفسه إلا العلم والكلام؛ لأنك تقول للمخاطَب: "تكلم" فيقول: "قد تكلمت"، فيكون صادقًا وإن لم ينطق قبل ذلك. ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للأعرابي لما قال له: يا ابنَ عبد المطلب: "قد أجَبْتك" (١)، فكان "قد أجبتك" جوابا وخبرا عن الجواب، فتناول القول نفسه؛ ولذلك تعبدنا في التلاوة أن نقول: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)} [الإخلاص: ١] لأن "قل" أمر يتناول ما بعدَه ويتناول نفسه، فمن ثمَّ جاء مصدر "القول" على "القِيل"، كما جاء مصدر "علمت" على "العلم". وجاء أيضًا على "القال" وهو على وزن "القَبَض"؛ لأن القولَ قد يكون مقولاً (٢) بنفسه، وجاء أيضًا على الأصل مفتوحَ الأول، وأما "العلم" فلم يجئ إلا مكسورًا مصدرا كان أو مفعولاً؛ لأنه لا يكون أبدًا إلا معلومًا بنفسه، و"القول" بخلاف ذلك، قد يتناول نفسه في بعض الكلام، وقد لا يتناول إلا المفعول (٣)، وهو الأغلب.


(١) في حديث أخرجه البخاري رقم (٦٣)، ومسلم رقم (١٢) من حديث أنسٍ -رضي الله عنه-.
(٢) (ق): "مفعولا"!.
(٣) في بعض نسخ "النتائج": "المقول".