للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما يدل بلفظه على مصدره وفاعله إذا كان الفاعل مُطْلَقًا وعلى المفعول (ق/ ١٣٢ ب) به كذلك.

فإنَّ قيل: فأين لفظ الفعل في "مِيْل" و"فَرْسخ"؛ وأي معنى للوصف فيه، والفعل قد تعدَّى إليه بغير حرف وعمل فيه بلا واسطة؟.

قيل: المراد بالمِيْل والفرسخ تبيين مقدار المشي، لا تبيين مقدار الأرض، فصار المِيْل عبارةً عن عِدة خطًا، فكأنك قلت: "سِرْت خُطًا عِدَّتها كيت وكيت"، فلم يتعدَّ الفعلُ في الحقيقة إلا إلى المصدر المقدَّر بعدد معلوم، كقولك (١): "ضربت ألف ضربة" و"مشيت ألف خطوة"، ألا ترى أن المِيْل عبارة عن ثلاثة آلاف وخمس مئة خطوة، والفرسخ أَضْعاف ذلك ثلاث مرات، فلم ينكسر ما أصَّلْناه من أن الفعل لا يتعدَّى إلا إلى ما ذكرنا، وإنما سموا هذا المقدار من الخُطَى والأذْرُع "مِيْلاً"؛ لأنهم كانوا ينصبون في رأس ثلث (٢) كل فرسخ نصبًا كهيئة المِيل الذي يُكْتَحل به، إلا أنه كبير، ثم يكتبون في رأسه عددَ ما مَشَوه ومقدارَ ما تخطَّوه.

وذكرَ قاسم بن ثابت (٣) أن هشام بن عبد الملك مرَّ في بعض أسفاره بميل، فأمر أعرابيًا أن ينظر في المِيْل كم فيه مكتوبًا، وكان الأعرابي أُميًّا، فنظر فيه ثم رجع إليه (٤)، فقال: "فيه مِحْجن، وحَلْقة، وثلاثة


(١) (ق): "كأنك قلت".
(٢) سقطت من (ق ود).
(٣) هوة قاسم بن ثابت بن حزم السَّرَفسطي أبو محمد، من العلماء بالفقه والحديث واللغة، صاحب "الدلائل" في الغريب، توفي شابًا سنة (٣٠٢)، انظر: "الديباج المذهب": (ص/ ٢٢٣)، و"السير": (١٤/ ٥٦٣).
(٤) (ق): "نظر إليه".