للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

* وأن يكون من فعل الفاعل المتقدم ذكره.

لْحو: "جاء زيد خوفًا منك ورغبةً"، ولو قلت: "جاء قراءةً للعلم" و"قتلاً للكافر"؛ لم يجز؛ لأنها أفعال ظاهرة، فقد بانَ لكَ أن المجيءَ إنما يُظْهِر ما كان باطنًا خفيًّا، حتى كأنك قلت: جاء زيدٌ مُظْهرًا بمجيئه الخوف أو الرغبة أو الحرص أو أشباه ذلك، فهذه الأفعال الظاهرة تبدي تلك الأفعال الباطنة، فهي مفعولات في المعنى والظاهرة دالة على ما تتضمنها (١)، فإنَّ جئت بمفعول من أجله من غير هذا القبيل الذي ذكرناه، لم يصل الفعل إليه إلا بحرف، نحو: "جئت لكذا" أو "من أجل كذا"، والله أعلم.

قلت (٢): ما أدري أيُّ ضرورة به إلي هذا التعسُّفْ والتكلُّف الظاهر الذي لا يصح لفظًا ولا معنى!! أما اللفظ فإن هذا لو كان معمولاً لعامل مُقدَّر، وهو قولك: يظهر الخوف والمحبة، ونحوه لتلفظوا به ولو مرَّة في كلامهم، فإنه لا دليل عليه من سِياق ولا قرينة، ولا هو مقتضى الكلام فيصح إضماره، فدعوى إضماره ممتنعة.

وأما فساده من جهة المعنى فمن وجوه عديدة:

منها: أَن المتكلِّم لا يخطُر (ق/١٣٣ ب) بباله هذا المعنى بحال، فلا يخطر ببال القائل: "زُرْتك محبة لك": زرتك مُظْهِرًا لمحبتك، ولا بقوله: "تركت هذا خوفًا من الله": تركته مُظْهِرًا خوفي من الله، وهذا أظهر مِن أن يُحْتاج إلى تقديره.

الثاني: أنه إذا كان التقدير ما ذكر خرَجَ الكلام عن حقيقته ومقصوده؛


(١) "النتائج": "تنصبها".
(٢) التعليق لابن القيم -رحمه الله-.