للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: إذا كان هذا هو الأصل، فلِمَ مثلَّ سيبويه (١) بها مقدمة، وكان ذلك أحسن عنده من أن يؤخرها؟.

قلت: كأنه أراد تأكيد معنى الحال فيها؛ لأنه ترجم عن (٢) الحال، فلو أخرها لأشبهت التمييز؛ لأنك إذا قلت: "هذا الرجل أطيب بسرًا من فلان "، فبسرًا -لا محالة- تمييز، وإذا قدمت "بسرًا" على "أطيب من كذا" فبسرًا -لا محالة- حال، ولا يصح أن يُخْبر بهذا الكلام عن رجل ولا عن شيءٍ سوى التمر وما هو في معناه. فإذا قلت: "هذا [أطيب] بسرًا"، احتمل الكلام قيل تمامه وقبل النظر (ظ / ١٠٥ ب) في قرائن أحواله أن يكون "بُسرًا" تمييزًا، وأن يكون حالاً، وبينهما في المعنى فرقٌ عظيم، فاقتضى تَحْصِين المعنى والحرص على البيان للمراد تقديم الحال الأولى على عاملها، ولو أخرت لجاز.

وأما الحال الثانية: فلا سبيل إلى تقديمها على عاملها لأنه معنوي، (ق / ١٣٩ أ) والعامل المعنوي لا يُتَصور تقديم معموله عليه؛ لأن العامل اللفظي إذا تقدم عليه منصوبه الذي حقه التأخير، قلت فيه: مقدَّم في اللفظ مؤخَّر في المعنى، فقسمت العبارة بين اللفظ والمعنى (٣)، فإذا لم يكن للعامل وجود في اللفظ لم (٤) يتصور تقديم المعمول عليه؛ لأنه لابد من تأخير المعمول على عامله في المعنى، فلا يوجد إلا بعدَه وعامله متقدِّم عليه، لأنه مَنْويّ غير ملفوظ به، فلا


(١) فى "الكتاب": (١/ ١٩٩).
(٢) (ق): "على".
(٣) ليست في (ق).
(٤) من قوله: "مؤخر في ... " إلى هنا ساقط من (د).