للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنها ما لا ينبغي إلا لله، مثل: السجود، فكانت التحية بالسلام أَوْلى من ذلك كلِّه، لتضمنها السلامةَ التي لا حياةَ ولا فلاحَ إلا بها، فهي الأصل المقدَّم على كلِّ شيءٍ.

ومقصود (ق / ١٤٧ أ): العبد من الحياة إنما يحصل بشيئين، بسلامته من الشروط (ظ / ١١١ ب)، وحصول الخير كله، والسلامة من الشر مُقَدَّمة على حصول الخير، وهي الأصل، ولهذا إنما يهتم الإنسان، بل كُلُّ حيوان بسلامته أولًا ثم غنيمته ثانيًا، على أن السلامة المطلقة تتضمن حصول الخير، فإنه لو فاته حَصَل له الهلاك والعَطَب أو النقص والضعف، ففوات الخير يَمْنع حصولَ السلامة المطلقة، فتضمَّنت السلامة نجاتَه من كلِّ شرٍّ (١) ودوره بالخير، فانتظمت الأصلين اللذين لا تتم الحياةُ إلا بهما، مع كونها مشتقة من تسمه "السلام" ومتضمنة له، وحُذِفت "التاء" منها لما ذكرنا من إرادة الجنس لا "السلامة" الواحدة، ولما كانت الجنة دار السلامة من كلِّ عيب وسرٍّ وآفةٍ، بل قد سَلِمت من كلِّ ما ينْغِّص (٢) العيشَ والحياة، كانت تحيةُ أهلها فيها "سلام"، والربُّ يحييهم فيها بالسلام، والملائكة يدخلون عليهم من كلِّ بابٍ: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (٢٤)} [الرعد: ٢٤] فهذا سرٌّ التحية بالسلام.

عند اللقاء.

وأما عند المكاتبة؛ فلما كان المتراسلان كل منهما غائبًا عن الآخر، ورسوله إليه وكتابه يقوم مقام خطابه له، استعمل في مكاتبته له من السلام ما يستعمله معه لو خاطبه، لقيام الكتاب مقام الخطاب.


(١) (د): "سوء".
(٢) (ق): "ينقص".