للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وللفرق بين الطلب والإرادة، وما قيل في ذلك مكانٌ عير هذا. والمقصود (١) أن طلب الحيِّ من نفسه أمر معقول يعلمه كل أحدٍ من نفسه. وأيضًا فمن المعلوم أن الإنسان يكون آمرًا لنفسه ناهيًا لنفسه قال تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: ٥٣]، وقال: {وَأَمَّا مَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى} [النازعات: ٤٠] وقال الشاعر (٢):

لا تنهَ عن خلقٍ وتأتيَ مِثْلَه ... عارٌ عليكَ إذا فعلتَ عظيمُ

ابدأ بنفسِكَ فانْهَهَا عن غَيِّها ... فإذا انتهتْ عنه فأنتَ حَكِيْمُ

وهذا أكثر من إيراد شواهده، فإذا كان معقولًا أن الإنسانَ يأمرُ نفسَه وينهاها، فالأمر والنهي طلب، مع أنَّ (٣) فوقه آمرًا وناهيًا، فكيف يستحيل ممن لا آمرَ فوقَه ولا ناهٍ أن يطلبَ من نفسه فِعْل ما يحبه وتركَ ما يبغضه (٤)؟.

وإذا عُرِف هذا؛ عُرِف سرُّ سلامه -تباركَ وتعالى- على أنبيائه ورسله، وأنه طلب من نفسه لهم السلامة، فإن لم يتَّسِع لهذا ذهنك فسأزيدكَ إيضاحًا وبيانًا، وهو: أنه قد أخبر سبحانه في كتابه أنه كتب على نفسِه الرحمةَ، وهذا إيجابٌ منه على نفسِه، فهو الموجِبُ، وهو متعلَّق الإيجاب الذي أوجبه، فأوجبَ بنفسِه على نفسه.

وقد أكَّد النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - هذا المعنى بما يوضحه كلَّ الإيضاح ويكشف حقيقته (٥)


(١) (ق): "المطلوب".
(٢) نسبها في (الأغاني): (١٢/ ٨٨)، و"فصل الخطاب": (١/ ٩٣) إلى المتوكل الليثي. ونسبت في بعض المصادر إلى غيره.
(٣) الأصول: "كون" والمثبت من "المنيرية".
(٤) من قوله: "أن يطلب ... " إلى هنا ليس في (ق).
(٥) من قوله: "وقد أكد ... "إلى هنا ليس فى (ق).