للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قصتي يحيى والمسيح صلوات الله عليهما بهذه الأوقات الثلاثة؟.

فسِرُّه -والله أعلم-: أن طلبَ السلامة يتأكد في المواضع التي هي مظانُّ العَطَب (١) ومواطن الوَحْشَة، وكلَّما كان الموضع مظِنَّة ذلك، تأكَّد طلب السلامة وتعلقت بها الهمة، فذُكِرَت هذه المواطنُ الثلاثة؛ لأن السلامةَ فيها آكد، (ظ / ١١٩ أ) وطلبها أهم، والنفسُ عليها أَحْرَص؛ لأن العبدَ فيها قد انتقل من دارٍ كان مستقرًّا فيها مُوَطِّن النفس على صحبتها وسكناها، إلى دار هو فيها معرض للآفات والمِحَن والبلاء، فإن الجنين من حين خرجَ إلى هذه الدار انتصب لبلائها وشدائدها ولأوائها ومحنها وأنكادِها (٢)، كما أفصحَ الشاعرُ بهذا المعنى حيث يقول (٣):

تأمل بكاءَ الطِّفلِ عندَ خروجِه ... إلى هذه الدُّنيا إذا هو يولدُ

تجدْ تحتَهُ سِرًّا عَجِيبًا كأنه ... بكلِّ الذي يَلْقاه منها مُهَدَّدُ

وإلا فما يُبْكِيه منها وإِنَّها ... لأوسعُ مما كانَ فيه وَأَرْغَدُ

ولهذا من حين خرجَ ابتدرته طَعْنَةُ الشيطانِ في خاصرته فبكى لذلك (٤)، ولما (ق/ ١٥٧ أ) حصل له من الوَحْشة بفراق وطنه الأول، وهو الذى أدركه الأطباء والطبائعيون، وأما ما أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - فليس في صناعتهم ما يدلُّ عليه، كما ليس فيها ما يخفيه، فكان طلب


(١) (ق): "الفضل"! و (ظ ود): "مكان العطب".
(٢) (ظ): "وأفكارها".
(٣) رُويت أبيات نحو هذه لابن الرومي في "ديوانه": (ص/ ٣٩٣)، ورويت لغيره أيضًا.
(٤) ثبت ذلك في الصحيحين من حديث أبى هريرة -رضي الله عنه- البخاري رقم (٣٢٨٦)، ومسلم رقم (٢٣٦٦).