للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على من اتبعَ الهدى في كتابه إلى هِرَقل بلفظ النكرة، وتسليم موسى عليهم بلفظ المعرفة؟.

فالجواب عنه: أن تسليم النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - تسليمٌ ابتدائي، ولهذا صَدَّر به الكتاب حيث قال: "مِنْ محمد رسولِ الله إلى هِرَقل عظيم الروم، سلامٌ على من اتَّبَعَ الهدى" (١)، ففي تنكيره ما في تنكير سلامَ الخِطَاب من الحكمة، وقد تقدم (ظ/ ١١٩ ب) بيانها. وأما قول موسى: {وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (٤٧)} [طه: ٤٧]، فليسَ بسلام تحية، فإنه لم يبتدئ به فى فرعون، بل هو خبَرٌ مَحْض، فإن من أتبع الهدى فلهم السلامُ المطلق دون من خالفه، فإنه قال له: {فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (ق/١٥٧ ب) وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (٤٧) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٤٨)} [طه: ٤٧، ٤٨].

أفلا ترى أن هذا ليس بتحية في ابتداءِ الكلام ولا خاتمته، وإنما وقعَ متوسِّطًا بين الكلامَيْن إخبارًا محضًا عن وقوع السلامة وحلولها على من أتبع الهدى، ففيه استدعاء لفرعون وترغيب له بما جُبلَت النفوسُ على حُبِّه وإيثاره من السلامة، وأنه إن اتبع الهدى الذي جَاء [به] فهو من أهل السلام، والله أعلم.

وتأمَّل حُسْن سياقِ هذه الجُمَل، وترتيب هذا الخطاب، ولُطْف هذا القول اللين الذي يَسْلب القلوب حُسْنه وحلاوتُه مع جلالته وعَظَمته، كيف أبتدأ الخطابَ بقوله: {إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ} [طه: ٤٧]، وفي ضمن ذلك: إنّا لم نأتك لننازعك مُلْكك ولا لنَشْركك فيه، بل نحن عبدان مأموران (٢)


(١) أخرجه البخاري رقم (٦٢٦٠) من حديث أبي سفيان بن حرب -رضي الله عنه-.
(٢) ليست فى (ق).