للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسرُّ ذلك -والله أعلم-: أن في الدعاء بالخير قدموا اسمَ الدعاء المحبوب الذي تشتهيه النفوس وتطلبه، ويَلَذ للسمع لفظه، فَيَبْدَه السَّمعَ ذِكْر الاسم المحبوب المطلوب، ويبدأ القلبُ بتصوره، فيفتح له القلب والسمعُ، فيبقى السامع كالمنتظر لمن (ق / ١٥٩ ب) يحصل هذا، وعلى من يحل، فيأتي باسمه، فيقول: "عليك أو لك" (١)، فيحصل له من السرور والفرح ما يبعث على التحابّ والتوادّ والتراحم، الذي هو المقصود بالسلام.

وأما في الدعاء عليه؛ ففي تقديم المدعو عليه إيذانٌ باختصاصه بدلك الدعاء وأنه عليه وحده، كأنه قيل له: هذا عليك وحدك لا يشركك فيه السامعون، بخلاف الدعاء بالخير فإن المطلوب عمومه، وكلّ ما عمَّ به الدَّاعي كان أفضل.

وسمعت شيخَ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول: فضل عموم الدعاء على خصوصه كفضلِ السماءِ على الأرض، وذكَرَ في ذلك حديثاً مرفوعًا عن علي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر به وهو يدعو فقال: "يا عَلي عُمَّ فإنَّ فَضْلَ العموْمِ على الخصُوصِ كفَضْلِ السماءِ على الأرْضِ" (٢).

وفيه فائدة ثانية -أيضًا- وهي: أنه في الدعاء عليه (٣) إذا قال له: "عليك" أنفتحَ سمعُه وتشوفْ قلبُه إلى أيِّ شيء يكون عليه، فإذا ذكر له أاسم المدعو به صادفَ قلبه فارغًا متشوِّفًا لمعرفته، فكان أبلغَ فى نِكَايته، ومن فهمَ هذا فهمَ السر في حذف "الواو" في قوله تعالى:


(١) (ظ ود): "لي".
(٢) أخرجه أبو داود في "المراسيل" (ص/ ١١٥)، والبيهقي في "الكبرى": (٣/ ١٣٠) من مرسل عَمرو بن شعيب، بنحوه.
(٣) ليست في (ق).