قالوا:"قائم وخائف"، وقالوا في المصدر "عياذًا بالله"، وأصله "عِواذًا" كـ "لِواذ"، فقلبوا الواو ياء للكسرة قبلها، ولم تحصنها حركتها؛ لأنها قد ضعفت بإعلالها في الفعل، وقالوا "مستعيذ"، وأصله:"مستعوِذ" كـ "مستخْرِج"، فنقلوا كسرة الواو إلى العين قبلَها، قلبت الواو قبلها كسرة فقلبت ياء على أصل الباب (١).
فإن قلت: فلم دخلت السين والتاء في الأمر من هذا الفعل كقوله: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ}[النحل: ٩٨] ولم تدخل في الماضي والمضارع، يل الأكثر أن يقال:"أعوذ بالله"، و"عذْت بالله"، دون "أستعيد" و"استعذت"؟.
قلت: السين والتاء دالة على الطلب، فقوله:"أَسْتَعيذ بالله"، أي: أطلب العياذَ به، كما إذا قلت:"أَسْتَخير الله"، أي: أطلبُ خِيرتَه، و"أَسْتَغفره" أي: أطلب مغفرته، و"أَسْتَقِيله" أي: أطلب إقالته، فدخلت في الفعل إيذانًا لطلب هذا المعنى من المعاذ، فإذا قال المأمور:"أعوذ بالله"، فقد امتثل ما طُلِب منه؛ لأنه طَلَب منه الالتجاء والاعتصام، وفَرْق بين نفس الالتجاء والاعتصام، وبين طلب ذلك. فلما كان المستعيذ (ظ/١٢٩ أ) هاربًا ملتجئًا معتصمًا بالله أتى بالفعل الدال على ذلك دون الفعل الدال على طلب ذلك، فتأمله.
وهذا بخلاف ما إذا قيل:"اسْتَغْفِرِ الله"، فقال:"أَستَغْفر الله"، فإنه طلب منه أن يطلب المغفرةَ من الله، فإذا قال:"أسْتَغْفِر الله" كان ممتثلاً؛ لأن المعنى أطلب من الله أن يغفر لي. وحيث أراد هذا المعنى في الاستعاذة فلا ضير أن يأتي بالسين، فيقول:"أَسْتَعيد بالله"، أي: أطلب منه أن يعيذني، ولكن هذا معنى غير نفس الاعتصام