للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوعها، وبماذا تُدفع بعد وقوعها.

وقبل الكلام في ذلك لابد من بيان الشَرِّ ما هو وما حقيقته؟ (١) فنقول:

الشَّرُّ يقالُ على شيئين: على الألم وعلى ما يُفضي إليه، وليس له مسمى سوى ذلك، فالشرورُ هي (ظ/ ١٣٠ أ) الآلام وأسبابُها، فالمعاصي وِالكفرُ والشِّركُ وأنواع الظلم هى شرور، وإن كان لصاحبها فيها نوع غرض ولَذة لكنها شرورٌ، لأنها أسبابُ الآلام ومفضيَةٌ إليها كإفضاء سائر الأسباب إلى مسبَّباتِها، فترتُّب الألم عليها كترتّب الموتِ على تناولُ السُّموم القاتلة، وترتبه على الذبح والإحراق بالنار والخنق بالحبل، وغير ذلك من الأسباب التي نصِبَت (٢) مفضيةً إلى مسبَّباتها ولابُدَّ، ما لم يمنعْ السببيةَ مانع، أو يعارضْ السببَ ما هو أقوى منه، وأشد اقتضاء لضدِّه، كما يعارض سببَ المعاصي قُوة الإيمان وعَظَمة الحسنات الماحيةِ وكثرَتها، فيزيد في كمِّيتها وكيفيتها على أسباب العذاب فيدفعُ الأقوى الأضعفَ، وهذا شأن جميع الأسباب المتضادَّة كأسباب الصِّحة والمرض، وأسباب الضعف والقوة.

والمقصود أن هذه الأسباب التي فيها لَذَّة مَّا، هى شرٌّ، وإن نالت بها النفس مَسَرَّة عاجلة، وهى بمنزلة طعام لذيد شهيٍّ لكنه مسمومٌ، إذا تناوله الآكل لَذَّ له أكله (٣) وطاب له مَسَاغُهُ، وبعد قليل يفعلُ به ما يفعل، (ف/ ١٧١ ب) فهكذا المعاصي والذنوب ولابدَّ، حتى لو لم


(١) "وما حقيقته" ليست في (ق).
(٢) (ظ ود): "تصيبه".
(٣) (ظ ود): "لذَّ أكله".