للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذنوب والسيئات شر كما تقدم بيانه.

ثم قال: {وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَار (١٩٣)} , فهذا طلبٌ لدوام الخير الموجود وهو الإيمان, حتى يتوفاهم عليه, فهذانِ قسمان.

ثم قال: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ} [آل عمران: ١٩٤] فهذا طلب للخير المعدوم أن يؤتيهم إياه.

ثم قال: {وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} فهذا طلبٌ أن لا يقعَ (١) بهم الشَّرُّ المعدومُ, وهو خزيُ يوم القيامة, فانتظمت الآيتان للمطالب الأربعة أحسنَ انتظام, مرتبةً أحسن ترتيبٍ, قُدِّمَ فيها النوعان اللذان في الدنيا وهما المغفرة, ودوامُ الإسلام إلى الموت, ثم أُتبعا بالنوعين اللذين في الآخرة وهما: أن يُعطوا ما وُعِدُوه على ألسنة رسله, وأن لا يُخْزِيَهُم يوم القيامة.

إذا عُرِف هذا؛ فقوله - صلى الله عليه وسلم - في تشهُّد الخطبة: "وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنا, ومِنْ سيئاتِ أَعْمَالِنَا" (٢) , يتناوَلُ الاستعاذةَ من شرِّ النفس الذي هو معدومٌ لكنه فيها بالقوَّة, فيسأل دفعه وأن لا يوجد.

وأما قوله: "مِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا"؛ ففيه قولان:

أحدهما: أنه استعاذةٌ من الأعمال السيئة التي قد وُجِدتْ, فيكون الحديثُ قد تناولَ نوعَي الاستعاذة من الشَّرِّ المعدوم الذي لم يوجدْ, ومن الشر الموجود فطلب دَفْع الأول ورَفْع الثاني.


(١) كذا في الأصول, وفي "المنيرية": "يوقع".
(٢) تقدم ٢/ ٤٤٨.