للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القمر: "هَذا هُوَ الغَاسِق إذا وَقَبَ", لا ينفي أن يكون الليلُ غاسقًا، بل كلاهما غَاسِقٌ، [والنبي - صلى الله عليه وسلم - أشار إلى آية الليل وسلطانه والمفسرون ذكروا الليلَ نفسَه، والله أعلم] (١).

فإن قيل: فما تقولون في القول الذي ذهب إليه بعضُهم أن المرادَ به القمرُ إذا خَسَف واسوَدَّ؟ وقوله: "وقب" أي: دَخَل في الخُسوف أو غاب خاسفًا؟ (٢).

قيل: هذا القولُ ضعيفٌ، ولا نعلمُ به سَلَفًا، والنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لمَّا أشار إلى القمر وقال: "هذا الغاسِقُ إذا وَقَب" لم يكن خاسفًا إذ ذاك، وإنما كان وهو مستنيرٌ، ولو كان خاسفًا لذكرته عائشة، وإنما قالت: نظر إلى القمر وقال: "هذا هو الغاسِقُ " (٣)، ولو كان خاسفًا لم يصِحَّ أن يحذفَ ذلك الوصف منه، فإنَّ ما أُطْلِق عليه اسم الغاسق باعتبار صفةٍ لا يجوزُ أن يطلقَ عليه بدونها لما فيه من التلبيس.

وأيضًا: فإن اللغة لا تساعد على هذا، فلا نعلمُ أحدًا قال: الغاسقُ هو القمرُ في حال خسوفه. وأيضًا: فإنى الوُقُوب لا يقولُ أحدٌ من أهل اللغة: إنه الخسوفُ، وإنما هو الدُّخول من قولهم: "وَقَبَتِ العَيْنُ" إذا غارت. و"رَكِيَّةٌ وَقْبَاءُ": غارَ ماؤها فدخل في أعماق التُّراب.

ومنه الوَقْبُ: للثُّقْب الذي يدخل فيه المِحْوَرُ، وتقول العربُ: وَقَبَ يَقِبُ وقوبًا: إذا دَخَلَ.

فإن قيل: فما تقولون في القول الذي ذهبَ إليه بعضُهم: أن


(١) الزيادة بين المعكوفات من (ق).
(٢) (ق) زيادة: "مظلمًا".
(٣) تقدم قريبًا.