للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتأملْ حكمة القرآن الكريم كيف جاء في الاستعاذة من الشيطان الذي نعلمُ وجوده ولا نراه بلفظ: (السميع العليم) في (الأعراف) و (حم السجدة)، وجاءت الاستعاذةُ من شرِّ الإنس الذين يؤنَسُون ويُرَوْن بالأبصار بلفظ: (السميع البصير) في سورة (حم المؤمن) فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٥٦)} [غافر: ٥٦]؛ لأن أفعال هؤلاء أفعال مُعَايَنة تُرَى بالبصر.

وأما نزْغُ الشَّيطان؛ فوساوسُ وخَطَراتٌ يُلقيها في القلب، يتعلَّقُ بها العلم، فأمَر بالاستعاذة بالسميع العليم فيها، وأمر بالاستعاذة بالسَّميع البصير في باب ما يُرى بالبصر ويُدركُ بالرُّؤية، والله أعلم.

السبب الثاني: تقوى الله وحفظه عند أمرِه ونفِيه، فمن أتقى الله تولى الله حفظه، ولم يَكِلْه إلى غيره (١)، قال تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران: ١٢٠] وقال النبى - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عباس: "احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ" (٢)، فمن حفظ الله حفظه الله ووجده أمامَه أينما توجَّه، ومن


(١) في هامش (ق) حاشية بخط العلامة ابن علان الصديقي نصُّها: "لكاتبه الفقير الحقير محمد على ابن علان البكري الصديقي الشافعي: ... اتق اللهَ لا تخف من فلانٍ ... ما فلانٌ -مع التُّقى- بفلانِ وأدْرِ أن المقضِيَّ حَتْم وما لم ... يقضِهِ الله لا يكن بزمانِ
(٢) أخرجه الترمذي رقم (٢٥١٦)، وأحمد: (٤/ ٤١٠ رقم ٢٦٦٩) وغيرهم من طرقٍ كثيرة عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما-. قال الترمذي: "حديث حسن صحيح". وقال الحافظ ابن رجب في "نور الاقتباس": (ص/ ٣١): "وأجود أسانيده من رواية حَنَش عن ابن عباس، وهو إسناد حسن لا بأس به" اهـ. ونحوه في "جامع العلوم والحكم": (١/ ٤٦٠ - ٤٦١).