للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقصدَ أِن يمحوَهُ (١) في باله كما خطر [له] (٢) فلا يَلْتفت إليه ولا يخافه ولا يملأ قلبه بالفكر فيه، وهذا من أنفع الأدوية، وأقوى الأسباب المعينة على اندفاع شرِّه، فإن هذا بمنزلة من يطلبُهُ عدوُّه ليُمْسِكَهُ ويؤذيه، فإذا لم يتعرَّضْ له ولا تماسك هو وإيَّاه، بل انعزل عنه لم يقدر عليه، فإذا تماسكا وتعلَّقَ كل منهما بصاحبه حصل الشَّرُّ.

وهكذا الأرواحُ سواءٌ، فإذا علّق روحَه به وشبَّثها به، وروح الحاسد الباغي متعلِّقةٌ به يقَظَةً ومنامًا لا يَفتُرُ عنه، وهو: يتمنَّى أن يتماسكَ الرُّوحان ويتشبَّثا، فإذا تعلَّقتْ كلُّ روح منهما بالأخرى عُدِمَ القرار ودام الشرُّ حتى: يهلِكَ أحدُهما.

فإذا جَبَذَ روحَه عنه، وصانها عن الفكر فيه والتَّعَلُّق به، وأن يُخْطِره بباله، فإذا خطر بباله بادر إلى محو ذلك الخاطر، والاشتغال بما هو أنفعُ له وأولى يه، بقي الحاسد الباغي يأكلُ بعضُه بعضًا، فإن الحسد كالنار، فإذا لم تجدْ ما تأكلُهُ أكَلَ (٣) بعضُها بعضًا.

وهذا باب عظيم النفع، لا يلقاه إلا أصحابُ النفوس الشريفة والهمم العَلِيَّة، وبين الكَيِّس الفَطِن وبينه حتى يذوقَ حلاوتَهُ وطيبَهُ ونعيمَهُ، كأنه (٤) يرى من أعظم عذاب القلب والرُّوح اشتغاله بعدوه وتعلق روحه به، ولا يرى شيئًا آلَمَ لروحه من ذلك، ولا يصدِّق بهذا إلا النفوسُ المطمئنة: الوادعة اللَّيِّنة (٥) التي رضيتْ بوكالة الله لها،


(١) (ع): "محوه".
(٢) (ظ ود): "إليه"، وسقطت من (ق وع).
(٣) (ق وظ ود): "أكلت".
(٤) (ع): "فإنه".
(٥) "الوادعة اللينة" ليست فى (ع).