للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكما تعملُ مع الناس في إساءتهم في حقِّك يفعلُ اللهُ معك في ذنوبك وإساءتك جزاءً وفاقًا، فانتقم بعد ذلك أو اعْفُ، وأَحْسِنْ أو اترُكْ، فكما تَدِين تُدانُ، وكما تفعل مع عباده يُفْعَلُ معك.

فمن تصوَّرَ هذا المعنى وشَغَلَ به فكرَهُ، وإن عليه الإحسان إلى من أساء إليه، هذا مع ما يحصل له بذلك من نصر الله ومعونته ومعِيَّته الخاصَّة، كما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - للذي شكى إليه قرابَتَهُ وأنه يحْسِن إليهم وهم يسيئونَ إليه، فقال: "لا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ مَا دُمْت عَلَى ذلِكَ" (١)، هذا مع ما يتعجَّلُّهُ من ثناء الناس عليه، ويصيرون كلُّهم معه علي خصمه، فإنَّ كل من سمع أنه يحسنُ إلى ذلك الغير وهو مُسِيءٌ إليه، وَجَدَ قلبَه ودعاءَه وهمَّتَه مع المحسن على المسيء، وذلك أمرٌ فطريٌّ فطر اللهُ عليه عباده، فهو بهذا الإحسان قد استخدم عسكرًا لا يعرفُهم ولا يعرفونه، وألا يريدون منه إقطاعًا ولا خبزًا، هذا مع أنه لا بُدَّ له مع عدوه وحاسده من إحدى حالتين: إما أن يملِكَهُ بإحسانه فيستعبده وينقاد له ويَدل له ويَبْقى من أحب الناس إليه، وإما أن يُفَتِّتَ كَبدَهُ ويقطعَ دابرهُ إن أقام على إساءته إليه، فإنه يُذيقه (٢) بإحسانهَ أضعافَ ما ينالُ منه بانتقامه، ومن جرَّب هذا عَرَفَهُ حَق المعرفة، والله هو الموفقُ المعين، بيده الخير كلُّه، لا إله غيره (٣)، وهو المسؤولُ أن يستعمِلَنا وإخواننا في ذلك بمَنِّه وكرمه.

وفي الجملة؛ ففي: هذا المقام من الفوائد ما يزيدُ على مئة منفعةٍ للعبد عاجلة وآجلة، سنذكرها فِي موضع آخرَ إن شاء الله تعالى.


(١) أخرجه مسلم رقم (٢٥٥٨) من حديث أبى هريرة -رضي الله عنه-.
(٢) كذا في (ظ ود)، وفى (ع وق): "يذبحه".
(٣) (ق): "إلا هو".