للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لمحل الوسوسة من شياطين الإنس وهو الأذن، فقيل "وَسْوَسة الحَلْي"؛ لأنه صوت مجاورٌ للأذن، كوسوسة الكلام الذي يُلقِيه الشيطانُ في أذن مَنْ يوسْوِسُ له.

ولما كانت الوسوسةُ كلامًا يكرِّرُه الموسوِسُ ويؤكِّدُه عند من يُلقيه إليه كرَّروا لفظها: بإزاء تكرير معناها، فقالوا: وَسوَسَ وَسْوَسَةً، فراعوا تكرير اللفظ ليفهم منه تكرير مسماه.

ونظير هذا ما تقدَّم (١) من متابعتهم حركة اللفظ بإزاء متابعة حركة معناه كالدَّوَران والغَلَيَان والنَّزَوَان، وبابه، ونظير ذلك: "زلْزَلَ ودَكْدَكَ وقَلْقَلَ وكَبْكَبَ الشَّيءَ"؛ لأن الزَّلْزَلة: حركةٌ متكرِّرةٌ، وكذلك: "الدَّكْدَكة والقَلْقَلة"، وكذلك كبْكَبَ الشيءَ: إذا كبَّه في مكانٍ بعيد، فهو يكبُّ فيه كبًّا بعد كبٍّ، كقوله تعالى: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (٩٤)} [الشعراء: ٩٤] ومثلُه رَضرَضَهُ: إذا كرَّر رَضَّهُ مرَّةً بعد مرة، ومثله ذَرْذَرَهُ: إذا ذرَّه شيئًا بعد شيء، ومثله: صَرْصَرَ البابُ: إذا تكرَّرَ صريرهُ، ومثله: مطْمَطَ الكلامَ: إذا مطَّهُ شيئًا بعد شيء، ومثله: كَفْكَفَ الشيءَ: إذا كرَّر كَفَّه، وهو كثير.

وقد عُلِمَ بهذا أن من جعل هذا الرباعي بمعنى الثلاثي المضاعف لم يصب؛ لأن الثلاثي لا يدل على تكرار، بخلاف الرُّباعي المكرر، فإذا قلت: (ذرَّ الشيء، وصَرَّ البابُ، وكَفَّ الثوبَ، ورضَّ الحبَّ) لم يَدُلَّ على تكرار الفعل بخلاف ذَرْذَرَه وصَرْصَرَ ورَضْرَضَ، ونحوه، فتأمله فإنه مطابق لقاعدة العربية فِي الحذو بالألفاظ حذوَ المعاني (٢)،


(١) (١/ ١٨٩) من هذا الكتاب.
(٢) (ع): "لحذف بالألفاظ: حذف ... ".