للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقدِّرونه حالًا، أي: كائِنِيْنَ من الجِنَّة والنَّاس، وهذا القولُ ضعيفٌ جدًّا لوجوه:

أحدها: أنَّه لم يَقمْ دليلٌ على أن الجِنِّيَّ يوسوسُ في صدور الجنِّ، ويدخلُ فيه كما يدخل في الإنسي، ويجري منه مجراه من الإَنسي، فأيُّ دليل يدُلُّ على هذا حتى يصِحَّ حملُ الآية عليه؟.

الثاني: أنه فاسدٌ من جهة اللفظ أيضًا، فإنه قال: (الذي يوسوسُ في صدور الناس)، فكيف يبينُ الناس بالناس؟ فإن معنى الكلام على قوله: يوسوِسُ في صدور الناس (١) الذين هم -أو كائنين- من الجنة والناس، أفيجوزُ أن يقالَ: في صدور الناس الذين هم من الناس وغيرهم؟ هذا ما لا يجوزُ، ولا هو استعمالٌ فصَيحٌ!.

الثالث: أن يكونَ قد قسم الناسَ إلى قسمين: جِنَّة وناس، وهذا غيرُ صحيح، فإن الشيء لا يكون قَسِيمَ نفسِهِ.

الرابع: أن الجنَّةَ لا يطلقُ عليهم اسمُ الناس بوجه، لا أصلًا ولا اشتقاقًا ولا استعمالًا، ولفظهما يأبى ذلك، فإن الجنَّ إنما سمُّوا جنًّا من الاجتنان، وهو الاستتارُ، فهم مستترون عن أعين البشر، فَسمُّوا جنًّا لذلك، من قولهم: جَنَّهُ الليلُ وأجنَّه: إذا سَتَرَهُ، وأجَنَّ المَيِّتَ: إذَا سَتَرَهُ في الأرض. قال:

ولا تَبْكِ مَيْتًا بعد مَيْتٍ أَجَنَّهُ ... عَلِيٌّ وعباسٌ وآلُ أبي بَكْرٍ

يريد النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -.

ومنه: الجَنِينُ لاستتاره في بطنِ أُمِّهِ، قال تعالى: {وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي


(١) من قوله: "فكيف يبين ... " إلى هنا ساقط من (ق).