للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للشيطان، فإمساك فضول الكلام يسُدُّ عنه تلك الأبوابَ كلَّها، وكم منْ حرب جرَّتها كلمةٌ واحدة، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ: "وَهَلْ يكُبُّ النّاسَ عَلَي مَنَاخِرِهِمْ فِي النَّارِ إلَّا حَصَائِدُ ألْسِنتَهِمْ" (١). وفي التِّرمذي أن رجلًا من الأنصار توفي فقال بعض الصحابة: طوبى له، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فَمَا يُدْرِيكَ فَلَعَلَّهُ تَكَلَّمَ بِمَا لا يَعْنِيهِ، أَوْ بَخلَ بِمَا لا يَنْقُصُهُ" (٢).

وأكثر المعاصي إنما تولدها من فضول الكلام والنظر، وهما أوسعُ مداخل الشيطان، فإن جارحتيهما لا يَمَلَّانِ ولا يسأمان، بخلاف شَهْوة البطن، فإنه إذا امتلأ لم يَبْقَ فيه إرادةٌ للطعام، وأما العين واللِّسان فلو تُرِكا لم يفتُرا من النظر والكلام، فجنايتُهما مُتَّسِعَةُ الأطراف، كثيرةُ الشُّعَبِ، عظيمةُ الآفات، وكان السلف يحذِّرون من فضول النظر، كما يحَذِّرون من فضول الكلام (٣)، وكانوا يقولون: "ما شيءٌ أحوجَ إلى طول السَّجن من اللِّسانٍ" (٤).

وأما فضولُ الطعام، فهو داعٍ إلى أنواع كثيرة من الشَرِّ، فإنه يحَرِّكُ الجوارحَ إلى المعاصي، ويثقلُها عن الطاعات، وحسبُك بهذين شرًّا! فكم مِنْ مَعصيةٍ جلبها الشبعُ وفضولُ الطعام، وكم من طاعة حال


(١) أخرجه أحمد: (٥/ ٢٣١)، والترمذي رقم (٢٦١٦)، وابن ماجه رقم (٣٩٧٣)، والحاكم: (٢/ ٤١٣) وغيرهم.
قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وصححه الحاكم.
(٢) أخرجه الترمذي رقم: (٢٣١٦)، وأبو نعيم في "الحلية": (٥/ ٥٦) من حديث أنسٍ -رضي الله عنه-، وقال الترمذي: "غريب" مشيرًا إلى ضعفه.
(٣) "كما يحذرون عن فضول الكلام" ليست في (ظ ود).
(٤) جاء هذا عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أخرجه هنَّاد في "الزهد": (٢/ ٥٣٢)، والطبراني في "الكبير": (٩/ ١٤٩)، وأبو نعيم في "الحلية": (١/ ١٣٤).