للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تنزلُ على قلوب السامعين، مع إعجابه بكلامه، وفرحه به، فهو يُحْدِثُ من فيه كلما تحدَّث, ويظنُّ أنه مِسْكٌ يطيبُ به المجلس، وإن سكت فأثقل من نصف الرَّحَى العظيمة التي لا يُطاق حملُها ولا جَرُّها على الأرض.

ويُذْكر عن الشافعي -رحمه الله- أنه قال: ما جَلَسَ إلى جانبي ثقيلٌ إلا وجدتُ الجانبَ الذي هو فيه أنزلَ من الجانبَ الآخر.

ورأيت يومًا عند شيخنا (١) -قدَّس اللهُ رُوحَه- رجلاً من هذا الضَّرب، والشيخ يحتملُهُ (٢)، وقد ضعُفَتِ القوى عن حمله، فالتفتَ إليَّ وقال: مُجالسة الثقيل حمَّى الرِّبْع, ثم قال: لكن قد أدْمَنَتْ أرواحُنا على الحُمَّى, فصارت لها عادةً أو كما قال. وبالجملة؛ فمخالطة كلِّ مخالف حمَّى للرُّوح فعَرَضِيَّه ولازمة.

ومن نكد الدنيا على العبد أن يُبتلى بواحد من هذا الضرب، وليس له بُدُّ من معاشرته ومخالطته، فليعاشرْه بالمعروف حتى يجعلَ الله له فرجًا ومخرجًا.

القسم الرابع: من مخالطته الهُلْكُ كُلُّه، ومخالطته (٣) بمنزلة أكل السُّم، فإن اتَّفقَ لآكله ترياقٌ، وإلا فأحسنَ اللهُ فيه العزاءَ, وما أكثرَ هذا الضَّرْبَ في الناس -لا كثَّرهم اللهُ- وهم أهلُ البدع والضلالة، والصَّادُّون عن سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، الدّاعون إلى خلافها، الذين يَصُدُّون عن سبيل الله ويبغونها عوجًا, فيجعلون البدعةَ سُنَّةً،


(١) أي: ابن تيمية.
(٢) (ظ ود): "يحمله".
(٣) من قوله: "فليعاشره ... " إلى هنا سقط من (ق).