للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يستجيبون لدعوتهم (١)، وليس المُرادُ: اعبدوهم، وهو نظير قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ} [الكهف: ٥٢].

وهذا التقريرُ نافعٌ في مسألة الصلاة، وأنها هل نُقِلت عن مسمَّاها في اللّغة فصارت حقيقةً شرعيةً منقولةً، أو استُعْمِلت في هذه العبادة مجازًا، للعلاقة بينها وبين المسمَّى اللُّغوي، أو هي باقية على الوضع اللُّغوي وضُمَّ إليها أركانٌ وشرائطُ، وعلى ما قررناه لا حاجةَ إلى شيءٍ من ذلك، فإن المُصلِّي من أول صلاته إلى آخرها لا ينفكُّ عن دعاء عبادةٍ وثناء، أو دعاءِ طلب ومسألة، وهو في الحالين داعٍ، فما خرجتِ الصلاةُ عن حقيقة الدُّعاء، فتأمَّلْه.

إذا عُرِفَ هذا فقوله: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: ٥٥] يتناول نوعَي الدعاء، لكنه ظاهر في دعاء المسألة متضمِّنٌ لدعاء العبادة، ولهذا أَمَر بإخفائه وإسراره، قال الحسن: "بين دعوة السِّرِّ ودعوة العلانيةِ سبعون ضعفًا، ولقد كان المسلمونَ يجتهدونَ في الدُّعاء، وما يُسمعُ لهم صوتٌ، إن كان إلا همسًا بينهم وبين ربهم، وذلك أن الله تعالى يقول: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}، وأن الله تعالى ذَكَر عبدًا صالحًا ورضي بفعلِهِ فقال: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (٣)} " (٢) [مريم: ٣].

وفي إخفاء الدُّعاء فوائدُ عديدة:

أحدها: أنه أعظمُ إيمانًا؛ لأن صاحبه يعلم أن الله تعالى يسمعُ


(١) (ظ ود): "لهم دعوتهم".
(٢) أخرجه ابن المبارك في "الزهد": (ص/٤٥)، والطبري: (٥/ ٥١٤). وسنده حسن.