للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم إيَّاكَ أن تعبِّرَ عنه بغير العبارة النبوِية، أوْ يَقَعَ في قلبِك غيرُ معناها ومرادها، فَتَزِلَّ قَدَمٌ بعد ثبُوتِها. وقد ضعُفَ تمييزُ خلائِقَ في هذا المقام، وساء تعبيرُهم، فوقعوا في أنواع من الطَّامَّاتِ والشطح، وقابلهم من غَلُظ حجابُه فأنكر محبَّةَ العبدِ لربِّه جملةً، وقربَهُ منه، وأعاد ذلك إلى مجرد الثواب المخلوق، فهو عنده المحبوب القريب ليس إلاّ (١).

وقد ذكرنا من طرق الرد على هؤلاء وهؤلاء في كتاب "التحفة" أكثر من مائة طريق (٢)، والمقصود هاهنا الكلام على هذه الآية.

وسابعها: أنَّه أَدْعَى إلى دوام الطلب والسؤال، فإنَّ اللِّسان لا يَمَلُّ والجوارحُ لا تتعبُ، بخلاف ما إذا رفع صوتَهُ به، فإنه قد يَكِلُّ لسانُه وتضعفُ بعضُ قواه، وهذا نظيرُ من يقرأُ ويُكَرِّر رافعًا صوتَهُ، فإنه (٣) لا يطولُ له ذلك بخلاف من يخفضُ صوتَه.

وثامنها: أن إخفاءَ الدُّعاء أبعد له من القواطع والمشَوِّشاتِ والمُضعِّفَاتِ، فإن الدَّاعِيَ إدْا أخفى دعاءَهُ لم يَدْرِ به أحدٌ، فلا يحصلُ هناك تشويشٌ ولا غيرُه، وإذا جَهَرَ به تفطَّنتْ له الأرواحُ الشِّرِّيرةُ (٤) والباطوليَّةُ (٥) والخبيثة من الجِنِّ والإنس، فشوَّشت عليه ولا بُدَّ، ومانَعَتْهُ وعارضتْه، ولو لم يكن إلا أن تعلُّقَها به يفَرِّقُ عليه


(١) وانظر: "مدارج السالكين": (٢/ ١٠٧).
(٢) وانظر: "مدارج السالكين": (٣/ ٢٠)، و"روضة المحبين" مفرد في المحبّة.
(٣) من قوله: "فإنه قد ... " إلى هنا ساقط من (ق).
(٤) (ظ ود): "البشرية".
(٥) المنسوبة إلى الباطل، وهي نسبة غريبة استعملها ابن القيم في مواضع من كتبة، انظر: "مفتاح دار السعادة": (١/ ١٩٧، ٥٤٧) و"تهذيب السنن": (١/ ٤١٦ - بهامش المختصر).