للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأيضًا: فإنه قُدِّر للتَّعلُّق، وهذا التَّعلُّق يكفي فيه المفردُ، وأيضًا فإنه يقعُ في موضع لا يصحُّ فيه تقدير الجملة، كقولك: "أمَّا عِنْدَكَ فَزَيْدٌ، وأمَّا في الدَّار فعَمْرٌو" فإن "أمَّا" لا يليها إلا اسمٌ مفرد، فإذا تعيَّنَ المفردُ هاهنا، يرجحُ في (ظ/ ١٦٠ أ) الباقي، ليجريَ البابُ على سَنَن واحد، ولا ينتقض هذا بوقوعه في صِلَةِ الموصول، كقولك: "جَاءَنِي الَّذي في الدَّارِ"، إذ يتعيَّنُ تقديرُ الجملة؛ لأن كلامنا في التقدير في باب الخبر، لا في التقدير في سائر الأبواب، كالصِّلَة والصِّفَة والحال، ولا يلزمُ من تعين الجملة في التَّقدير في الصِّلَة تعيُّنُها ولا ترجيحها في باب المبتدإ.

وسأل أبو الفتح ابن جِنِّي أبا عليٍّ (١) عن هذه المسألة، فلم يراجعه بجواب شافٍ أكثرَ من أن قال له: تقدير الاسم هاهنا أولي؛ لأن خبرَ المبتدأ في أغلبِ أحواله اسم.

وكَشْفُ الغطاء عن هذه المسألة أن يقالَ: الجار هنا لا يُتَصَوَّر تعلُّقه بفعل محض؛ إذ الفعل المحضُ ما دَلَّ على حَدَث وزمان، ودلالته على الزمان بِبِنْيته، فإذا لم يكن له وجود في اللَّفظ، لم يكن له بنيَةٌ تَدُلُّ على الزَّمَان، مع أن الجارَّ لا تعلُّقَ له بالزَّمانِ، ولا يَدُلُّ عليَه، إنما هو في أصل وضعِهِ لتقييد الحَدَث وجرِّه إلى الاسم على وجهٍ مَّا من الإضافة، فلا تعلُّقَ له إلا بالحَدَث، والحدث الذي هو المصدرُ لا يمكن تقديرُه هاهنا لأنه خبرُ المبتدإ، والمبتدأُ ليس هو الحَدَثَ، فَبَطَلَ أن يكون التقدير: "زَيْدٌ اسْتِقْرارُ (٢) في الدَّارِ"، وبطَلَ -أيضًا بما تقدَّم- أن يكون التقدير: "زَيْدٌ اسْتَقَرَّ في الدَّارِ"، ألا ترى


(١) أي: الفارسي شيخه.
(٢) (ق): "استقر"!.