للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذا تقدَّم ما يطلبُ الفعل، أو كان في موضع لا تدخلُ عليه العواملُ اللَّفظيةُ نحو: النعت والخبر والحال، فيقْوَى حينئذٍ معنى الفعل فيه، ويعضدُ هذا من السماع أنهم لم يحكوا: "قَائِمٌ الزَّيْدَانِ"، و"ذَاهِبٌ إخْوَتُكَ" عن العرب، إلاّ على الشرط الذي ذكرنا، ولو وَجَد الأخفشُ ومن قال بقوله سماعًا لاحتجُّوا به على الخليل وسيبويه، فإذا لم يكنْ مسموعًا وكان بالقياس مدفوعًا؛ فأَحْرِ به أن يكونَ باطلًا ممنوعًا!!.

فإن قلت: فما تصنعُ في قول الشاعر (١):

خَبِيرٌ بَنُو لِهْبٍ فلا تَكُ مُلْغِيًا ... مَقَالَةَ لِهْبِيٍّ إذا الطَّيْرُ مَرَّتِ

فهذا صريح في أن "خبير" مبتدأ، و"بنو لهب" فاعل به. وفي قول الآخر (٢):

فَخَيْرٌ نحنُ عندَ النَّاسِ مِنْكُم ... إذا الدَّاعِي المُثَوِّبُ قَالَ: يَالا

قلت: أما البيتُ الأوَّلُ فعلى شذوذه ونُدْرته لا يُعْرَفُ قائلُه، ولم يُعْرَفْ أن متقدِّمي النُّحاة وأئمَّتَهم استشهدوا به، وما كان كذلك فإنه لا يُحتجُّ به باتفاق، على أنه لو صَحَّ أن قائله حُجَّةٌ عند العرب، لاحتملَ أن يكون المبتدأُ محذوفًا مضافًا إلى بني لِهْب، وأصلُه: "كُلُّ بَني لِهْبٍ خَبِيرٌ" و"كلُّ" يخبَرُ عنها بالمفرد كما تقدم في أول التعليق (٣)، ثم


(١) هذا الشاهد منسوب لرجلٍ من طيء ولم يُعيَّن كما ذكر المؤلف، وقد أنشده ابن هشام في عدد من كتبه، وابن عقيل في شرحه: رقم (٤٢).
(٢) هو: زهير بن مسعود الضبي.
انظر: "نوادر أبي زيد": (ص / ٢١)، و"الخصائص": (١/ ٢٧٦ و ٢/ ٣٧٥) وأنشده ابن عقيل في شرحه: (١/ ١٩٤).
(٣) (١/ ٣٧٦).