للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذ قلت: "عليهِ نَوْحٌ نوحَ الحَمَامِ" رفعت: "نوحَ الحَمَام"؛ لأن الضمير المخفوض بـ "على" ليس هو الفاعل الذي ينوحُ، كما كان في قولك: "له صَوْتٌ صَوْتَ غُرَابٍ"، وكذلك المجرور في "سَوَاءٌ عَلَيْهِم" هو الفاعل الذي في قولك: "لا يُبَالُون ولا يَلْتَفِتُونَ"، إذ المساواةُ إنما هي في عدم المبالاة والالتفات، والمتكلِّمُ لا يريدُ غيرَ هذا بوجه، فصار الفاعلُ مذكورًا والمبالاةُ مفعولةً مقصودةً (١)، فوقعت الجملةُ الاستفهاميةُ مفعولًا لها".

قال: "ونظير هذه المسألة -حَذْوَ القُذَّةِ بالقُذَّةِ- قوله تعالى.

{ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ} [يوسف: ٣٥] فـ "بدا": فعل ماض، فلابُدَّ له من فاعل، والجملةُ المؤكَّدةُ باللام لا تكونُ في موضع فاعل أبدًا، وإنما تكونُ في موضع المفعول بـ"علمت" [أو "علموا" فهي هاهنا في موضع المفعول،] (٢) وإن لم يكن (ق / ٢٢٤ أ) في اللفظ: "علموا" ففي اللَّفظ ما هو في معناه؛ لأن قوله: "بَدَا": ظَهرَ للقلب لا للعين.

وإذا ظهر الشيءُ للقلب وقد عُلِمَ، والمجرور من قوله: "لهم" هو الفاعلُ، فلما حصل معنى العلم وفاعله مقدَّمًا على الجملة المؤكَّدة باللام، صارت الجملة مفعولًا لذلك العلم، كما تقول: "عَلِمْتُ لَيَقُومَنَّ زَيْدٌ"، ولام الابتداء وألف الاستفهام يكون قبلهما أفعال القلب ملغاةً، فكذلك: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ}، وقعت (٣) الجملة الاستفهامية في المعنى بعد فعل من أفعال القلب وبعد فاعله، كما تقدَّم بيانُ ذلك


(١) "النتائج": "معقولة متصوَّرة".
(٢) ما بينهما من "النتائج".
(٣) (ظ): "رفعت".