فصل [٣ - ما ينهى عنه من بيع العينة وما يتهم فيه أهلها
وما أشبه هذا من بيوع النقود]
قال ابن القاسم: ومن باع سلعة ثم ابتاعها، فإن كانت البيعة الأولى إلى أجل نظرت إلى ما آل إليه الأمر بعد البيعة الثانية من أبواب الربا، فأبطلته من زيادة في سلف أو من بيع وسلف أو تعجيل بوضيعة أو حط ضمان بزيادة، أو ذهب وعرض بذهب مؤجل، أو غير ذلك من المكروه، وما سلم من ذلك كله جاز.
وانظر أول مُخرج لذهبه، فإن رجع إليه أكثر منها لم يجز فأما مثله فأقل فلا تهمة فيه.
قال ابن المواز: إذا كانت البيعة الأولى إلى أجل فهي من بيوع الآجال التي ينظر ما آل أمرهما إليه، وإن كانت الأولى نقدًا، فلا تبالي ما كانت الثانية وهي من بيوع النقد فلا يتهم فيها إلا أهل العينة، وإن كان أحدهما من أهل العينة، فاحملهما على أنهما من أهلها.
قال بعض شيوخ أفريقية: قول عائشة رضي الله عنها (بئس ما شريت وبئس ما اشتريت) يحتمل أن يكون إنما أعابت البيع والشراء لمآل الأمر في آخره إلى الربا، ويحتمل أن تكون السلعة قد فاتت إذ بفوتها يفسخ البيعتان جميعًا، وقد قيل تفسخ البيعتان جميعًا، وإن كانت السلعة قائمة ويحتمل أن يكون هذا القول هو المذهب/ عندها، ويحتمل أن يكون شريت واشتريت بمعنى واحد وإنما هو تكرير في اللفظ وهذا شائع في لغة العرب، ويحتمل أن يكون أنها أعابت البيع إذا كان الثمن إلى العطاء وهو مجهول ومثل هذا التاويل الآخر تأول المخالف على عائشة رضي الله عنها.
قال عبد الوهاب: وذلك باطل لأن عائشة كانت تذهب إلى جواز البيع إلى العطاء فكيف تتوعد على أمر تذهب إلى جوازه وصحته.
قال: وقال من خالفنا أن أكثر ما في هذا أن عائشة كانت مخالفة لزيد بن أرقم، وخلاف بعض الصحابة ليس بحجة على بعض.
قالجواب عن هذا أن احتجاجنا ليس هو أنه بنفس مذهب عائشة وإنما هو بإثباتها إياه ربًا، وإخبارها بأن الوعيد مستحق عليه، وذلك لا يكون إلا توقيفًا لا اجتهادًا.