ودواء آخر للحزن والاكتئاب عباد الله: يكمن في الموقف الصحيح مع القضاء والقدر، وبلوغ منزلة إيمان العبد؛ بأن {ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه} وأن الأمور بيد الله مقاديرها، فليس يأتيه منهيها ولا يقصر عنه مأمورها، وأن الأرزاق مقسومة والآجال محتومة، وأن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فالمرء يتوكل على ربه دون توتر ولا ريبة ولا قلق، فمثل هذا يستقبل الدنيا بشجاعة ويقين، ولسان حاله يقول، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه:
أي يومي من الموت أفر يوم لا قدر أم يوم قدر
يوم لا قدر لا أرهبه ومن المقدور لا ينجو الحذر
ومن الأدوية عباد الله: تحقيق الرضا عن الله سبحانه، إذ هو المحك أمام العبد، فمن قلّ رضاه عن الله صار مرتعاً للأوهام والأحزان والأدواء، وقد سئل الحسن البصري رحمه الله: من أين أوتي هذا الخَلْق؟ فقال: من قلة الرضا عن الله.
ونقل أبو حاتم البستي عن بعض السلف قوله: لا أعلم درجة أشرف ولا أرفع من الرضا، وهو رأس المحبة، ولذلك دعا به زكريا لولده فقال:{وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً}[مريم:٦] .
والرضا عن الله لا يكون إلا باستحضار العبد لحكمة الله في الأقدار، وأنه لا يعطي ولا يمنع إلا لحكمة بالغة، مما يهون على المرء ما يلاقيه من المصائب والأقدار المؤلمة، بل حتى في حال الفرح كما قال سليمان عليه السلام:{هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ}[النمل:٤٠] ، ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم حين وفاة ابنه إبراهيم:{تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، ولولا أنه وعد صادق وموعود جامع وأن الآخر منا يتبع الأول، لوجدنا عليك يا إبراهيم وجداً، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون} رواه البيهقي وابن ماجة، وأصله في الصحيحين، فهو صلى الله عليه وسلم يعني بذلك: لولا أنه يعلم حكمة الله في قبضه إليه، لحزن عليه حزناً شديداً.