للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فوائد اللباس والستر]

أيها المسلمون! إن الستر فطرة تجعل المجبول عليها لا يأذن للعوادي أن تكشفه كائنة ما كانت، ولو اضطر يوماً ما على أن يُبدي سوأته الجسديةِ لِضُرٍ أَلَمَّ به، فسيكون ذلك على استحياءٍ وخجلٍ شديدَين أمام طبيبٍ أو نحوه، الضرورة كامنة وراء استسلامه بذلك، وقولوا مثل ذلك في العورة القلبية وما يكون من أحوال مشينة تصدر من نفس المرء ويخشى أن يطلع عليها غيره، على حد قول النبي صلى الله عليه وسلم: {والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس} .

وجماع الأمر في العورَتين -عباد الله- هو قوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأعراف:٢٦] .

لقد امتن الله -جلَّ وعلا- على عباده بما جعل لهم من اللباس والريش الذي يوارون به سوءاتهم.

فباللباس تستر العورات عن أعين بني آدم.

باللباس يُكْبَحُ جماح الشهوة الطاغي، ويُكَفْكَفُ اللحظ ومُماداة البصر عن أن ينطلق إلى ما لا يُرضي الله.

باللباس -أيها الناس- تستر المرأة أنوثتها، وتحفظ كيانها عن أن تكون عِلْكَاً ملتصقاًَ بأحذية لصوص المرأة وأيدي العابثين، حتى تصبح جوهرة في صدفة لا ينظر إليها إلا الخواص وهم الأزواج.

باللباس والستر يقدم المرء رِجْلاً أو يؤخرها إذا ما امتدت نفسه إلى خِطبة امرأة بحلال.

باللباس -أيها المسلمون- يُعرف الذكور والإناث عن مدى احتشامهم واستقامتهم وحبهم للستر مظهراً ومخبراً، وبه تُعرف الأسر المصونة من غيرها.

باللباس والستر قد يُحمى ركنٌ أساس مما أجمع عليه الأنبياء والرسل قاطبة، وهو حماية العرض والنسب من مواهبها.

ثم إنه بالريش والرياش يتجمل الإنسان ظاهراً، إذ لباسه من الضروريات الجسدية، والريش والرياش من التحسينيات والزيادات التي يتمتع بها المرء وفق ما شرعه الله له دونما إسراف على حد قوله صلى الله عليه وسلم: {كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير مَخِيْلَةٍِ ولا سَرَفٍ، فإن الله يحب أن يرى نعمته على عبده} رواه أحمد، والنسائي، وابن ماجة.

وذكر البخاري -رحمه الله- عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: [[كلْ ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك خصلتان: سَرَفٌ ومَخِيْلَةٌ]] .

ولا غروَ -أيها المسلمون- في مقابل نعمة اللباس والامتنان بها أن يشرع الحمد مِن قِبَل المرء على ما يكسو به معيبه، ويواري به سوأته، فلقد صح عند أحمد وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكسوة: {الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس، وأواري به عورتي} .

والأمر -عباد الله- ليس حكراً على ستر العورة الحسية الجسدية فحسب، بل إنَّ لباس التقوى وستر التقوى خير ما يتجمل به المرء؛ إذ ما عسى ستر البدن أن ينفع إذا كان القلب عارياً؟!

{استقيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال: الله أكبر! كم فُتح من الخزائن اليوم؟! أيقظوا صُوَيْحِبات الحُجَر، فرُبَّ كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة} رواه البخاري.