والعدل في الحضارة المعاصرة ذات البريق اللامع كغيره من القيم الأخلاقية تحدده النسبية مع القابلية لأن يوزن بمزانين أو يكال بمكيالين، عند من لم يؤمنوا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، أما في الإسلام فالعدل قيمة مطلقة لا مجال للنسبية فيها، له ميزان واحد يعد هو الأدنى في معاملة المسلم مع غيره، حبيباً كان أو بغيضاً، صديقاً أو عدواً، مسالماً أو محارباً، كل ذلك إعمالاً لقوله سبحانه:{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[المائدة:٨] وإعمالاً لقوله جل شأنه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}[النساء:١٣٥] فلا معيار إذاً إلا للعدل، فهو كما يقول ابن كثير رحمه الله: العدل مطلوبٌ من كل أحد لكل أحد في كل حال، ويشهد لذلك قوله تعالى:{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا}[المائدة:٢] فنهى الله المسلمين أن يعاملوا حتى قتل هؤلاء بغير العدل، ومن هنا بدا ظاهراً جلياً أثر هذه التربية الإسلامية على علوم الأمة المسلمة عبر التاريخ في سلمهم وحربهم، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: المؤمن إن قدر عدل وأحسن، وإن ظلم وقهر وغلب صبر واحتسب.
كما قال كعب بن زهير أمام النبي صلى الله عليه وسلم منشداً:
ليسوا مفاريح إن نالت رماحهم قوماً وليسوا مجازيعاً إذا نيلوا
وسئل بعض العرب عن شيء من خلق النبي صلى الله عليه وسلم فقال: رأيته يغلب فلا يبطر، ويُغلب فلا يضجر، وما سمي من سمي من كفار قريش بالطلقاء إلا حينما قال لهم في أوج غلبته، وذكريات طردهم له، وإيذائهم لعفته، تجول في خاطره ومع ذلك لم يتفوه إلا قائلاً:{اذهبوا فأنتم الطلقاء} .