إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين ساروا على طريقه واتبعوا نهجه وهُداه، وعلى من تبعهم وحذا حذوهم ما تعاقب الجديدان الليل والنهار.
أما بعد:
أيها الناس:{اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران:١٠٢] الزموا حدود الله، وامتثلوا أمره، واجتنبوا نهيه.
وحذارِ حذارِ!! من التفلت والحياد عن سبيله، كما تَتَفَلَّت الإبل في عُقُلِها؛ فإنه ما من زمان يأتي إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم، وإنكم ستعرفون من الناس وتنكرون حتى يأتي على الناس زمان ليس فيه شيء أخفى من الحق، ولا أظهر من الباطل، ولا أكثر من الكذب على الله ورسوله.
ألا فمن استنصح الله وُفِّق، ومن اتخذ شِرْعته نهجاً هُدي للتي هي أقوم {فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[المائدة:١٠٠] .
عباد الله: تكلَّم أهل الأصول وعلم البيان عن الكلام وماهيته، وأن من أقسامه ما يُسمى: الحقيقة، وأن الكلام الحقيقي قد يكون لغوياً، أو شرعياً، أو عُرفياً، كما هو في مظانه من مؤلفاتهم.
والذي يُفيدنا منه في هذا المقام هو أن الأصل في الألفاظ: حملُها على الحقيقة بواحدٍ من أقسامها الثلاثة الآنفة.
وإذا كان الأمر كذلك؛ فإن طُغيان الجانب المادي واللهث وراء المحسوسات المشغلة عن الدين والتدين، وسلوك النهج القويم، والدخول في دائرة الأخلاق التي تشمل الجميع، كان سبباً -ولا شك- في قلب الحقائق، وجعل الشين زيناً، والمر حلواً، ومثول صور شتى من اللامبالاة بقيم الألفاظ ودلالات الكلام وثمراته، كما جاء في بعض الأحاديث من تسمية الأشياء بغير اسمها، كما تسمى الخمرة عند أقوام: بالمشروبات الروحية، والمخدرات: كُيُوفات حيوية وما أشبه ذلك.