[معنى الإنصاف وسبب الحديث عنه]
لماذا عنوان هذه المحاضرة: (أنصفوا المرأة) ؟! وهل المرأة مغبونة حتى تُنصف؟!
فأقول: أولاً: إن الإنصاف في الحقيقة هو إعطاء كل ذي حق حقه، بصرف النظر عن ماهية المنصف أو المنصف له.
ولا يُفهم منه ألبتة أن الإنصاف يكون بمعنى: المقاسمة هنا! أي: أن نقسم الشيء نصفين، كلا، هذا ليس إنصافاً، وإنما يُقال: صُلح قرر فيه الطرفان أن يتنازل كل واحد منهما عن النصف الآخر، والإنصاف في الطرح خلاف ذلك، بل هو بعبارة أخرى ما يسمى: بالعدل؛ بكل ما يحمل منها من معانٍ، حتى في حال العداوة, أو في حال القربى، كما قال الباري جل وعلا: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:٨] .
أو كما قال جل وعلا في حق القربى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء:١٣٥] .
ثانياً: ينبغي علينا جميعاً أن نعي واقع الحديث عن المرأة، وأنها صارت محلاً لعبث العابثين، ودعاوى المدعين.
وأمر المرأة بعيد كل البُعد عن حقيقة كل زاعم منهم.
وكل يدَّعي وصلاًَ لليلى وليلى لا تُقر لهم بِذاكا
مع أن معظم الطرح لقضية المرأة إنما هو في الحقيقة على طرفي ضد، إبَّان غيبة من علماء المسلمين وفقهائهم ودُعاتهم وأصحاب الرأي منهم، الذي يحمل مصداقية في طياته.
فمن هنا كان الطرح غير منصف، بل أبلغ ما يُقال فيه:
سارت مُشَرِّقَةً وسرتُ مُغَرِّبا شتان بين مُشَرِّقٍ ومُغَرِّبِ
فالجل منهم تهيجهم بتلك الأطروحات بواعث مكشوفة، ويطلبون به غايات شتى، وإن شئتم فاسمعوا قول الشاعر:
لما رأيت نساءنا يفحصن بالمعزاء شدا
وبدت لميس كأنها بدر السماء إذا تبدا
وبدت محاسنها التي تخفي وكان الأمر جِداً
نازلت كبشهم ولم أرَ من نزال الكبش بُدا
لمن هذا الإقدام؟ إنه لوجه لميس الحسناء.
فمن هنا -أيها الإخوة والأخوات- كانت الدعوة إلى الإنفاق في فترة الغياب الفكري المسلم الصحيح الذي ينتشل قضية المرأة من الظلم والجور، حتى من أهلها ومن بني جلدتها والذين يتكلمون بلغتها.
وكان مالك بن أنس رحمه الله يشكو في زمانه قلة الإنصاف، ولم تزل قلة الإنصاف قائمة بين الرجال وإن كانوا ذوي رحم.
وما هذا التغيب الكامل عبر وسائل متعددة للطرح الإسلامي الفريد نحو قضية المرأة إلا سبب للغفلة أو التغافل أو التجاهل بعبارة أصح عن تلك الصيحات الصادقة، التي كان يطلقها علماء الإسلام ودعاتُهم في التحذير من أن تكون قضية المرأة عِلْكاً ملتصقاً في أحذية أهل الفساد والإفساد من غربيين حاقدين أو مستغربين.
وتلك الصيحات التي ظهر للأمة صدق منطقها في هذا الوقت، ووقع ما كان يُسمع من تحذير حول أقنعة التغرير وقُفَّازاته على حد قول القائل:
بذلتُ لهم نُصحي بمنعرج اللوا فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغدِ
وإن هذه الظروف العصيبة التي يشهدها العالم الإسلامي بأسره، من انفتاح فكري وثقافي مركباً تركيباً مزجياً لا بد من مواجهتها في أسرع وقت ممكن قبل فوات الأوان؛ وإلا فأنىَّ للناس إذا فاتهم ذلك ذكراها؟!
وحينئذٍ يصدق علينا قول القائل:
ذب الحمار بأم عمروٍ فلا رجَعَتْ ولا رجع الحمارُ