الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فيا أيها الناس! إن من باب الإنصاف والمصارحة والنصح ألاّّ نلقي باللائمة كلها في موضوع الرؤى والإفراط فيها على آحاد الناس فحسب، بل لا بد من تأدية الأمر إلى العابرين أنفسهم الذين يعبرون الرؤى، إذ عليهم مسئولية عظمى تجاه الرائين، فلا بد للعابر أن يكون عالماً بهذا العلم العظيم، وأن يدرك المصالح والمفاسد في هذا الميدان، وألاَّ ينصب نفسه للفُتيا في الرؤى ويتطلع إليها، لاسيما عبر الشاشات وفي المجامع الكبيرة، فإن تعبير الرؤى قرين الفُتيا، وقد قال الله حاكياً عن الملك:{يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ}[يوسف:٤٣] .
يقول ابن القيم رحمه الله: المفتي، والمعبر، والطبيب يطلعون من أسرار الناس وعوراتهم على ما لا يطلع عليه غيرهم، فعليهم استعمال الستر فيما لا يحسن إظهاره، ثم إن على العابرين ألا يتسارعوا في التعبير، وألا يجزموا بما يعبرون، وأن يعلموا خطورة هذا الجانب، وما يوصله إليه من الافتتان والإعجاب بالنفس، وتعظيم شأنه فوق شأن المفتين وأهل العلم.
وقد نقل ابن عبد البر عن الإمام مالك أنه سئل: أيعبر الرؤى كل أحد؟ فقال مالك: أبالنبوة يلعب؟! وقد نقل ابن عبد البر أيضاً عن هشام بن حسان أنه قال: كان ابن سيرين يسأل عن مائة رؤيا فلا يجيب فيها بشيء، إلا أنه يقول: اتق الله وأحسن في اليقظة فإنه لا يضرك ما رأيت في النوم.
وكان يجيب في خلال ذلك ويقول: إنما أجيب بالظن، والظن يخطئ ويصيب.
فإذا كان هذا هو قول إمام المعبِّرين في زمانه وما بعده من الأزمان؛ فما الظن بمن جاء بعده، إننا لنسمع بالمعبر يسأل عن ألف رؤيا لا تسمع مرة يقول: لا أدري، أو يقول: هذه أضغاث أحلام، أو يقول: هذه حديث نفسٍ، إلا من رحم ربك.