للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عليك بالتأني وإياك والعجلة]

إن المرء المسلم عندما يكون يقظ الفكر على هبوب الأخطار والمخاوف، وعندما يظل رابط الجأش يقلب وجوه الرأي هنا وهناك، ابتغاء مخلِّص مما عراه فإن النجاح لن يخلفه بإذن الله تعالى، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إنما الصبر عند الصدمة الأولى} رواه البخاري ومسلم.

فالواجب على العاقل -عباد الله- أن يلزم التأني في الأمور كلها، والاعتدال في الحالات المتضاربة، وترك العجلة والخفة بها لأن الزيادة على المقدار في المبتغى عيب، كما أن النقصان في ما يجب من المطلب عجز، وما لم تصلحه الأناة لن تصلحه العجلة، ففي ترك الأناة يكون الخرق، وفي لزوم الخرق تخاف الهلكة، وبالتثبت حاله من حمد إلى ظفر، فمن يركب الأناة لا يستعقب الزلل، ولا صار ألف مدبج في حاجة لم يقضيها إلا الذي يتأنى، فالمتأني الحذق لا يكاد يسبق، كما أن العجل النزق لا يكاد يلحق، وما أحسن ما قيل في الصديق رضي الله تعالى عنه:

من لي بمثل مشيك المدلل تمشي رويداً وتجي في الاول

وخلال العجل -عباد الله- أنه يقول قبل أن يعلم! ويجيب قبل أن يفهم! ويحمد قبل أن يجرب! ويذم بعدما يحمد! يعزم قبل أن يفكر! ويمضي قبل أن يعزم!

العَجِل تصحبه الندامة وتعتزله السلامة.

ولقد كانت العرب في القديم تكني العجلة "أم الندامات" والمثل السائد: في التأني السلامة وفي العجلة الندامة.

قد يدرك المتأني جل حاجته وقد يكون مع المستعجل الزلل

قال المهلب بن أبي صفرة: أناة في عواقبها درك، خير من عجلة في عواقبها فوت.

إن التأني مع الصبر سبب في التحصيل المتكامل، في شتى شئون الحياة بدءاً من العلم والتعلم، وانتقالاً إلى التربية والتكوين، والكسب والتكسب فيما أحل الله وأباح، فليس المرء يولد عالماً غنياً حليماً، وإنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، والغنى بالتكسب.

وإن القليل بالقليل يكثر كذا الصفاء بالقذى ليكدر