للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فقدان السعادة يعقبه الهم والاضطراب]

أيها المسلمون: إن العبد بغير إيمان مخلوق ضعيف، وإن من ضعفه أنه إذا أصابه شر جزِع، وإذا أصابه خير منَع، وهو في كلتا الحالين قلق هلِع {إِنَّ الْأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ} [المعارج:١٩-٢٢] .

وإن فقدان السعادة من قلب المرء يعني -بداهة- حلول القلق والاضطراب النفسي في شخصه، فتجتمع عليه السباع الأربعة، التي تهز البدن وتوهنه، فضلاً عن كونها تحلق سعادته، وتقصر اطمئنانه، ألا وهي: الهم، والحزن، والأرق، والسهر.

ولا شك -عباد الله- من وقوع الهم في حياة العبد، إذْ هو جند من جنود الله عزَّ وجلَّ، يسلِّطه على من يشاء من عباده، ممن كان ضعيف الصلة بالله، خَوِي الروح، مرتعاً للمعاصي والذنوب {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} [الفتح:٤] .

ولقد سئل علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه: [[من أشد جند الله؟ قال: الجبال، والجبال يقطعها الحديد؛ فالحديد أقوى، والنار تذيب الحديد؛ فالنار أقوى، والماء يطفئ النار؛ فالماء أقوى، والسحاب يحمل الماء؛ فالسحاب أقوى، والريح تعبث بالسحاب؛ فالريح أقوى، والإنسان يتكفأ الريح بيده وثوبه؛ فالإنسان أقوى، والنوم يغلب الإنسان؛ فالنوم أقوى، والهم يغلب النوم؛ فأقوى جند الله هو: الهم، يسلطه على من يشاء من عباده]] .

فالمفهوم إذاً عباد الله: أن السعادة والطمأنينة عطاء من الله ورحمة، كما أن الهم، والقلق، والضيق، غضب من الله ومحنة، فقد يلتقي الملتقيان ويتواجهان، النفس بالنفس، وبينهما من الفوارق كما بين السماء والأرض، بل وفي أحلك الظروف، وحين تدلهم الخطوب، يظهر البون شاسعاً بين مُوَفَّق سعيد يُغْبَط، وبين هلِع جزِع يُتَعَوَّذُ بالله من حاله.

ولقد ذكر الله تعالى مثل هذا في كتابه الحكيم، عن غزوة أحد، حينما ألقى النومَ والنعاسَ على المؤمنين، في حين أن القتال قائم بعد سويعات قال تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ} [آل عمران:١٥٤] .

والنعاس في هذه الحال، دليل على الأمن والأمان، لمن كانوا جازمين بأن الله سينصر رسوله، ويُنجز له مأموله، ولهذا قال عن الطائفة الأخرى: {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} [آل عمران:١٥٤] أي: من القلق والجزَع والخوف، وهذا شأن أهل الريب والشك، يعيشون بين (لَوْ) المتندمة، و (لَيْتَ) المتحسرة.