أيها المسلمون: لقد أقام الإسلام مجتمعات المسلمين على أركان ثابتة، ودعائم راسخة، ومن أهم هذه الدعائم: أن يتحقق بين أبناء المجتمعات المسلمة روح الإخاء والتضامن؛ فيأخذ القوي بيد الضعيف، ويشد المقتدر من أزر العاجز، ويمكن لكل مسلم منصف أن يحكم على المجتمعات بالخير والصلاح؛ إذا رأى الضعفاء من بني ملته تتسلل إليهم المحن، وتتوالى عليهم الأتراح حثيثة، ويرى مع ذلك الأيادي الإغاثية تحميهم عن أن يضيعوا وسط الزحام، أو تسحقهم الأقدام، أو تصبح أعراضهم نهباً مقسماً بين الخونة واللئام من سفلة الناس، وشياطين البشر، إذا رأى المسلم ذلك جلياً في المجتمعات المسلمة فليشهد لها بالخير والصلاح، وإن لم يُرَ ذلك فإن على قلوبهم العفاء.
إنه من الواجب على المسلمين بعامة أن يبحثوا في كل مظنة ضعف عن سبب قوة، ولو أخلص المسلمون المجاهدون في تلمس ذلك وتطلُّبِه لصار الضعف قوة؛ لأن الضعف قد ينطوي على قوة مستورة؛ يؤيدها الله بعنايته ورعايته، فإذا قوة الضعف تهد الجبال، وتحير الألباب {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً}[الفتح:٧] .
سمع معاوية رضي الله عنه أن رجلاً من أعدائه شرب عسلاً فيه سم فمات، فقال رضي الله عنه:[[إن لله جنوداً منها العسل]] .
إن الحديث عن القوة النابعة من الضعف ليس دعوة إلى الرضا بالضعف أو السكوت عليه، بل هو دعوة إلى استشعار القوة حتى في حالة الضعف، ودعوة إلى التدثر بالرجاء والأمل وحسن الظن بالله حتى في مواطن الشدة واليأس، ودعوة إلى بذل الجهود في كل حالة وعلى أي وضع كان، ودعوة إلى اليقين بأن الله قادر على أن يجعل من الضعف قوة؛ مادام الإنسان يجاهد قدر استطاعته.
وإني لأدعو الله حتى كأنما أرى بجميل الظن ما الله صانعُ
وبذلك ينتزع المسلمون من ضعفهم قوة؛ تحيل قوة عدوهم ضعفاً، وينصرهم الله نصراً مبيناً {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}[آل عمران:١٩٦-١٩٧] .