إن مما أوضحه الله في هذه الآيات ما تنطوي عليه طبائع يهود من خبث ومكر وتنكر للرسالة السماوية، يتلونون تلون الحرباء؛ مما جلب لهم المقت من ربهم، فأوقع بهم شر العقوبات:{قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}[المائدة:٦٠] .
لقد كان لليهود شأن في بادئ الأمر، وقد أثنى الله عليهم بقوله:{وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ الْعَذَابِ الْمُهِينِ * مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِنْ الْمُسْرِفِينَ * وَلَقَدْ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}[الدخان:٣٠-٣٢] .
لكن التحول الذي حدث فيهم كان جذرياً، حتى أصبح لا يعرف من شمائلهم، أنهم يقودون إلى تقوى أو يعرفون بمهادنة، ومن هنا تبدو النكتة اللطيفة وهي: أنه من الغباء بمكان أن يحسب أهل دين ما، أن رحى الأيام لا تدور بالمجتمعات، وأن من ارتفع اليوم ستبقى رفعته له غداً إذا غير وبدل، إن التاريخ صفحات متتابعة، يطوى منها اليوم ما يطوى، وينشر منها غداً ما ينشر.
كل ذلك حتى تنقطع الأعذار، وتخرس الألسن التي مرنت الجدل، فإن أناساً سوف يبعثون يوم القيامة وهم مشركون ويقولون لله:{وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ * انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}[الأنعام:٢٣-٢٤] .
ولأجل ذا -عباد الله- جاء التحذير الصارخ من أن نسلك مسالكهم، بل جاء الأمر الصريح بمخالفة اليهود والنصارى في غير ما حديث.