عباد الله! إنَّ لنا في كل يوم أجناساً من الذكور والإناث تنمو غضة رقيقة، لا يتعهدها أحدٌ بسقي ولا رعاية، حتى تصيبها الجائحة فتجف وتذبل، كما أن عواقب التغريب والاستسلاخ والاستنساخ وأرزائها تحطم أعراقاً متينة من الستر والحشمة طالما أظلت وسقت حتى اجتُثت، فلا بواكي لها.
وفي الوقت نفسه! تزهر أفئدة من بني الجنسَين، ثم تُؤتي أُكُلها ثمراً ناضجاً حلواً، فلا يُوجد في بعض الجمهور مستبشراً بها، غير سالم من وكزات دعاوى التخلف، ومعرَّة ما يُسمى: مشي الرجوع على حد زعمهم!
لقد صعدت أجيال تنكَّرت لماضيها وأعراقها التي أصلتها وحكَمَتها شريعة الإسلام.
أقحم أناس أنفسهم في الميدان، وجعلوا التحسين والتقبيح خاضعاً لممارسات الحضارة الغربية وطيشها، تبدل الوزَّان وبقي الميزان مختلاً وقطبه مائلاًَ، وصناجه ضائعة، حتى إن أحدنا ليجد بين الأم وبنتها، أو بين الأب وابنه في صورة اللباس وما يُشاكله من البَون الشاسع ما يُعادل قرناً كاملاً من الزمان.
ألا ما أكثر الأحياء فينا وهم قتلى؟! ذكور وإناث يلبسون لباساً لم يُفصَّل لهم، ولم يُقَس عليهم، وإنما خِيْطَ لغيرهم، فأخذوه بلا إصلاح، ومشوا به فرحين كما يمشي الطفل بحُلة أبيه، يتعثر بها، فيسقط سقطات يكون بها محلاً للضحك والتندُّر.
إن الخلل الذي تعيشه جملة من الشعوب الإسلامية في قضية اللباس والستر، إنما كان منشأه من ممارسات خاطئة في كيفية التعامل مع الحضارة المدنية في كافة شئونها الحياتية، وفي المفاهيم المغلوطة لمعاني التقدم الحية، مما علق مواهبهم وقدراتهم عن تسخيرها باقتدار، حتى التحقوا بالركب المتقدم عن طريق التشبه به، والاقتباس منه، وعذرهم في ذلك أنهم يريدون النهوض بأنفسهم وأمتهم من وهدة النمو إلى مصافي الأمم المتحضرة، ولم يعد للشرع ولا للفطرة في بعض الأفئدة إلا النسبة الأساس.
وإذا رأيت ثوب المفتون بهم يستر بعض العورة فاعلم أنه صورة لما عندهم من الأنموذج الجديد.
إن الإصابة بحمى اللباس ليست على درجة واحدة بين المسلمين، إذ منهم من شمل السفور والحسور والتشبه، نساءه ورجاله، أو الكثرة منهم، ومنهم من ظهر فيهم واستعلن، وإن لم يعم ويشمل، ومنهم من بدأ يقرع أبوابهم ويضع إحدى قدميه، إن لم تكن وُضِعَتا كلتاهما.